مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 22-06-2004, 03:25   #94
الجازي
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ الجازي
 

رد : صفحات خالده من جبران خليل جبران إلى مي زياده ..!!




ما أعذب رسالتك في قلبي. ما أحلاه في قلبي يا مي.

ذهبت إلى البرية منذ خمسة أيام،و لقد صرفت الأيام الخمسة مودعا الخريف الذي أحبه

و رجعت إلى هذا (الوادي)منذ ساعتين،و رجعت مثلجا، مجلدا

ذلك لأني قطعت مسافة أطول من تلك المسافة الكائنة بين الناصرة و بشري في سيارة مكشوفة.

....ولكن....ولكن رجعت فوجدت رسالتك ، وجدتها فوق رابية من الرسائل

و أنت تعلمين ان جميع الرسائل تضمحل من أمام عيني عندما أتناول رسالة من صغيرتي المحبوبه

فجلست و قرأتها مستدفئا بها ز ثم أبدلت أثوابي ،ثم قرأتها ثانية ، ثم ثالثة ، ثم قرأتها ولم أقرأ شيئا سواها.

أنت معي في هذه الساعه ، أنت معي يا مي ، أنت هنا ، هنا ، و أنا أحدثك و لكن بأكثر من هذه الكلمات

أحدث قلبك الكبير بلغة أكبر من هذه اللغه و أنا أعلم أنك تسمعين ، أعلم أننا نتفاهم بجلاء و وضوح، وأعلم أننا

أقرب من عرش الله في هذه الليله منا في أي وقت من ماضينا.

أحمد الله و أشكره . أحمد الله و أشكره ، فقد رجع الغريب الى وطنه و عاد المسافر الى بيت أمه و أبيه .

في هذه الدقيقة مرت بخاطري فكرة جليلة ، جليلة جداً .

فاسمعي يا صغيرتي الحلوة : اذا تخاصمنا في المستقبل (هذا اذا كان لابد من الخصام) يجب أن لا نفترق مثلما كنا نفعل في الماضي بعد كل معركة .

يجب أن نبقى ، برغم الخصام ، تحت سقف بيت واحد حتى نمل الخصام فنضحك ، أو يملنا الخصام فيذهب هازّاً رأسه .
ما قولك في هذا الرأي ؟

لنتخاصم ما شئنا و شاء الخصام ، فأنت من إهدن و أنا من بشري ، و يبدو لي أن المسأله إرثية !

ولكن مهما جرى في أيامنا الآتية علينا أن نبقى ناظرين الى وجهينا حتى تمر الغمامة .

و إذا جاءت كاتمة أسرارك و جاء كاتم أسراري ، و هما دائما سبب خصامنا ، يجب أن نخرجهما من بيتنا بكل لطف ، و لكن بأسرع وسيلة .
أنت أقرب الناس الى روحي ، و أنت أقرب الناس الى قلبي و نحن لم نتخاصم قط بروحينا أو بقلبينا .

لم نتخاصم بغير الفكر و الفكر شيء مكتسب ، شيء نقتبسه من المحيط ، من المرئيات ، من مآتي الأيام .

أما الروح و القلب فقد كانا فينا جوهرين علويين قبل أن نفتكر .

وظيفة الفكر الترتيب ، و هي وظيفة حسنة و لازمة في حياتنا الأجتماعية و لكن لا مكان في حياتنا الروحية القلبية .

يستطيع الفكر (الجليل) أن يقول (إذا تخاصمنا في المستقبل يجب الاّ نفترق)

يستطيع الفكر أن يقول هذا رغم أنه هو هو نفسه سبب كل خصامنا ، و لكنه لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة عن المحبة

لا يستطيع أن يقيس الروح بمقاييس كلامه و لا يستطيع وزن القلب بموازيين منطقة .

أحب صغيرتي ، غير أني لا أدري بعقلي لماذا أحبها ، و لا أريد أن أدري بعقلي . يكفي أني أحبها .

يكفي أني أحبها بروحي و قلبي ، يكفي أني أسند رأسي الى كتفها كئيبا غريبا مستوحداً فرحاً مدهوشاً مجذوباً ،

يكفي أن أسير الى جانبها نحو قمة الجبل و أن أقول لها بين الآونة و الأخرى (انت رفيقتي ، انت رفيقتي) .

يقولون لي يا مي إني من محبي الناس ، و يلومني بعضهم بأني أحب جميع الناس ، نعم ، أحب جميع الناس ، أحبهم بدون انتخاب

و بدون غربلة أحبهم كتلة واحدة ، لكل قلب قبلة خاصة ، لكل قلب وجهة ذاتية يتحول اليها ساعات انفراده

لكل قلب صومعه يختلي فيها ليجد راحته و تعزيته

لكل قلب قلب يشتاق الى الأتصال به ليتمتع بما في الحياة من البركة و السلامة أو لينسى ما في الحياة من الألم .

شعرت منذ أعوام بأني وجدت وجهة قلبي ، و كان شعوري حقيقة بسيطة واضحة جميلة .

ها قد بلغنا ساعة متأخرة من الليل و لم نقل بعد سوى القليل القليل مما نريد أن نقوله .

الأفضل أن نتحدث ساكتين حتى الصباح .

و عند الصباح ستقف صغيرتي المحبوبة بجانبي أمام أعمالنا الكثيرة .

و بعد ذلك ، بعد انقضاء النهار و مشاكله ، سنعود و نجلس أمام هذا الموقد و نتحدث .


و الله يحرسك



الجازي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس