الموضوع: هداية درويش ..
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-08-2005, 15:02   #2
وحش
الدانه بنت عبدالله
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ وحش
 

رد : هداية درويش ..


(1) أغيثوني

كان من الممكن أن تمر الليلة بكل ما فيها من ترف في الملبس والمأكل.. وترف في المكان .. كان من الممكن أن تمر كغيرها: ساعات من المرح واللهو البريء لولا
وجودها هناك .. في طرف القاعة منزوية في المقعد كطفلة صغيرة خائفة من العقاب .. تجول بعينيها بين الحاضرات .. تمر سريعاً عليهن ولا تقف أبداً .. تحمل بين كتفيها عنقاً نحيلاً .. ووجهاً يميل إلى الصفرة .. وعينين ما زالتا تنمان عن جمال كان.
- اقتربت منها...
- مساء الخير.
- مساء النور.
- كيف الحال عساك مرتاحة
- .............
- هل أنت متعبة؟
- ............
- هل أضايقك بوجودي ... بأسئلتي؟
- كلا ولكني أخاف الحديث مع الغرباء.
- ولكني لست غريبة على الأقل يجمعنا منزل واحد صاحبته تعرفني وتعرفك
- حتى صاحبة المنزل لا أعتقد أنها تعرفني.
- وكيف؟
- إذا كنت تقصدين بالمعرفة اسمي، وشكلي، واسم عائلتي … فأنت على حق…
ولكن أنا لست كل هؤلاء لا أحس أن هناك من يعرفني … وأنا لا أريد أن أعرف
أحداً.
- هل تريدين مني الذهاب؟
- لا.. بل ابق معي .. أحياناً نشعر بأننا بحاجة لغرباء لا نعرفهم ولا نعرف عن حياتهم شيئاً.. عن عائلاتهم .. أسمائهم لفضي إليهم بكل متاعبنا.
- وهل تشعرين بأنك بحاجة إلى أن تفضي إلي؟
- نعم.
- إذاً دعيني أتعرف عليك من الداخل، دعيني أطرق بوابة الحزن الذي يظهر
واضحاً في عينيك الجميلتين .
- جميلتان .. لقد كانتا يوماً كذلك .. أتدرين .. إن بداخلي رغبة شديدة في البوح بكل
ما كان ... فرحي ... سعادتي ... حزني ... إحباطي ... تعاستي ... فهل أنت قادرة
على استيعاب ذاك الخليط الغريب من المشاعر ؟
- ما اقتربت منك إلا رغبة في التقرب إليك.
- أحببته بكل قواي منذ أن عرف الناس أننا على وشك الزواج، أحببته بقلبي ..
وعقلي .. وهو كذلك أحبني بعمره كله , منحني سعادة خرافية..رفعني من
الأرض وأسكنني سحابة احتضنتنا سوياً بعيداً عن العالم..
تزوجنا .. عشنا شهوراً من العسل، أعطيته من الحب والاحترام الشيء الكثير.. وهو لم يشعر في أن هناك من هو أسعد منه ..
كنت أعمل وكان يسعد بعملي هذا … لم يعترض يوماً … ولم يتأفف.كنت أعود إلى البيت أعد نفسي وبيتي ومائدتي في انتظار عودته في كل يوم، كان يقول بحرارة إن الله راض عني إذ منحني زوجة مثلك هي أغلى ما أملك في دنياي)...
شهور مرت، ونحن نغترف من بئر سعادة مخزونة في جوانحنا ... نعم أردد، أحببته … بكل ظروفه ... وأحبني بكل ما يحيط بي ... حتى عملي، كان يدفعني إليه، ويكرر أن العمل يمنح المرأة من الخبرات ما يجعلها تصمد أمام صعوبات الحياة. حين عرض علي رئيسي أن أذهب إلى دورة خاصة بالعمل إلى مدينة أخرى ترددت واستبعدت أن يقبل زوجي ذلك، فغياب ستة أسابيع عنه وعن بيتي لم يكن بالشيء الهين. ولكن حبيبي شجعني وقال إنها فرصة لتدعيم مكانتك في العمل، وإن الأسابيع الستة ليست بالفترة الطويلة، إذا أتيت إليك في كل عطلة لنهاية الأسبوع، ثم لا تنسين أنك ستكونين مع أهلك).
وهذا ما حدث سافرت وهو معي، قضينا معاً عطلة نهاية الأسبوع، سهرنا معاً عطلة نهاية الأسبوع، سهرنا كما لم نسهر من قبل … لم ننم لحظة واحدة حتى طلوع الشمس، وكلما غفوت علي كتفيه أصحو ويداه تحيطان بي لا تنامي الآن فغداً حين أذهب يمكنك ذلك، أما الآن فلا تضيعي دقيقة واحدة في النوم).
سافر في الصباح، وذهبت أنا منهكة القوى إلى عملي حيث حلقة التدريب وحقيقة أنني تمنيت لو أني لم آت هذا اليوم إلى العمل .. فهو اليوم الأول لفراق أعز الناس.
مرت ساعات العمل ... وعدت إلى البيت حيث استقبلتني أمي عند بوابته: ( لقد أزعجنا زوجك عشر مات يتصل يطمئن عليك، كلميه فهو في انتظارك).
بلوعة المحب … وحرارة المشتاق وندمه على سفري بادرني … أحبك .. أحبك ولا أتصور حياتي بدونك حبيبتي، كم هو موحش العمر بدونك، كم هو بارد البيت وأنت بعيدة عنه. لا تتأخري في الاتصال سوف أتركك لتنامي. ودعيني أسمع صوتك بمجرد أن تفتحي عينيك، وهكذا كنت أمضي نصف اليوم في العمل .. ومعظم النهار في مكالمات متقطعة.. إلى أن يأتي موعدنا معاً في الليل ولا تنتهي مكالمتنا إلا عند بزوغ الشمس.
ويأتي في نهاية الأسبوع .. حيث نعيش أحلى لحظات العمر… نبدأها منذ أن يأخذ قسطاً من الراحة، نتجول في الأسواق، نشتري لبيتنا.. لعشنا الجميل ما ينقصه، ثم نعود في المساء لنعيش أحلى لحظات يغلغلها الدفء ويكسوها الحنان.
مرت الأسابيع الخمسة، ولم يبق أمامي إلا أسبوع واحد، لأعود إلى بيتي الذي يحمل كل ركن فيه بصمة من بصماتنا معاً، ونفساً من أنفاسنا .. ويشهد كل جدار من جدرانه مناجاتنا… وشهقات الحب ونداءاته، وقبل نهاية الأسبوع اعتذر حبيبي عن الحضور قائلاً إن لديه الكثير من الأعمال التي يود الانتهاء منها قبل عودتي ليتفرغ لي. كنت أسمعه بقلبي الذي كان يسكنه .. وبدقاته التي تهتف باسمه، وجاء يوم العودة. انتهيت من جمع أشيائي الصغيرة … ورتبت ملابسي … وجهزت حقائبي … وطلبت من أمي أن تتركني أنام ساعتين لتوقظني كي أجهز نفسي للسفر. لا أعتقد أنهم تركوني أنام ساعتين، فقد صحوت على صوت أخي … وطرق خفيف على باب غرفتي. بتثاقل فتحت عيني .. وجدت أخي على الباب ويقول جاء واحد من أصدقاء زوجك وطلب مني أن أسلمك هذه الرسالة قبل الذهاب إلى المطار. فتحت الرسالة المغلقة.. قرأتها ونظرت لأخي الواقف أمامي وتشبثت بثوبه وأنا أصرخ بأعلى صوتي الذي جمع كل من في البيت .. أن
" أغيثوني" لم أنطق بعدها بكلمة واحدة لشهور طويلة قضيت أكثر من نصفها على سرير المستشفى ... محاطة بأطباء وممرضات وأنا لا أعي من حولي شيئاً.
أعادوني إلى البيت بعد أن قرر الأطباء أنني بحاجة للحب لا للدواء.. وأحاطني أهلي بحب ورعاية أعادت الدم بعض الشيء إلى عروقي.
متشوقة أنت لتعرفي ما تحويه تلك الرسالة التي أفقدتني النطق وكادت أن تودي بحياتي.
اسمعي إذاً .. كانت تحمل "صك طلاقي" لا… لا تندهشي ليس الطلاق فقط الذي كاد يقتلني ... بل تفاصيل صغيرة يحويها ذاك الصك القاتل هي التي أفقدتني النطق ... لقد كان تاريخ ذلك يطابق نفس اليوم الذي تركت فيه بيتي … ويوم أوصلني زوجي إلى بيت أهلي وسهر معي .. وطلب مني ألا أنام لحظة واحدة فهو يريد أن يشعر أني معه… وهو نفس التاريخ الذي كان يبثني لوعة الفراق وحرارة الأشواق عبر الهاتف.
أتسألين بعد ذلك عن الحزن الساكن في عيني ... أو تستغربين خوفي من الغرباء أو انكماشي فوق مقعد وثير أحس وكأنه صنع ليبتلعني بحزني .. وخوفي .. وقلقي .. تلك حكايتي ... آوتاك هي مصيبتي … هل أجد لديك سبباً مقنعاً لما حدث... إن كنت و غيرك تعلمين؟ فبربك مدى يديك وأغيثيني قبل أن ينحبس صوتي وتضيع خطاي على الطريق مرة أخرى.
- هل تستطيعين؟
- .............

وحش غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس