وبالنسبة للقصيدة او البيت الذي تمنيت لو أنني صاحبه .. فنص (
أنشودة المطر لبدر شاكر السياب ) هي قبلة القصائد الشعرية الحديثة وكثيرون تمنوا لو أنهم من كتبها ولعلي أحدهم ..
هل لديك صلة بالشعراء الحداثيين على المستوى الشخصي أو على المستوى الشعري ؟
ومافلسفة أنهم يعتبرون أنفسهم متقدمين على الشعر العمودي بسنة ضوئية وشعراء النبط متخلفين
عنهم سنتين ضوئيتين ؟
إن كنتِ تقصدين باالحداثة ( التجديد ) هنا .. فلعلي إذا أنا ذاتي من الحداثيين .. أو هكذا يقال عني فضلا عن علاقتي بهم ، هذا على المستوى الشخصي ولا أرى في ذلك تنصّلا من التراث أو تكبّرا عليه فلكل زمن تراثه وموروثه ، ونحن حين نتعاطى الموروث نتعاطاه بزمنه وطقوسه ، على مستوى التعامل مع النصوص ، فكيف سأصف الناقة التي رحلت بالحبيبة ، حينما تقلها طائرة ؟
والحقيقة أن عبارة ( التقدم والتأخر ) عبارة عائمة جدا بل ربما كانت خارجة عن مدار التقعيد أو التنظير الأدبي المنطقي وربما يحددها مفهوم التنصل عن التراث ، فأنا لاأرى مثلا كتابة نص عصري جدا في كل مستوياته هو تنصل عن التراث ، أو تقدّم عليه ، وفي تراكمات العصور الثقافية نلمس حالة التكيف العصرية ، فالعصر العباسي مثلا حيث المدنية نسبيا صار هناك تمرد صريح على المقدمة الطللية رغم أنها كانت قبله ركنا من أركان بناء القصيدة العربية ، أما سمعتِ ابا نُوَاس يقول :
عاج الشقي على دار يسائلها
وعجت أسأل عن خمارة البلد
أو قوله :
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا ماضر لو كان جلس..
اما عن الصراع والنخبوية والفوقية فعلي أن أعترف ياسيدتي بقصور كبير لدي في مواكبة الساحة الشعبية أو (
المحكية كما أحب أن أطلق عليها ) ، فاهتماماتي القرائية والكتابية تدور غالبا حول القصيدة الفصحى وهوامشها .. أي اللغة الفصحى ، لكنني حتما أؤمن بالشعر .. الشعر فقط وبأي لغة جاء ، وأشير من هنا تحديدا إلى أمر هام يتعلق بالنشر المطبوع للشعر المحكي سواء عن طريق المجلات أو الدواوين فأقول إنه ومنذ عقدين من الزمان تقريبا أحدث تطورا مذهلا في تركيبته ورؤياه ، فهو لم يعد شعر العوام كما كان يوصف ، لكنه الآن شعر المثقفين الذي جاء بلغة الحكي ، وأعتقد أن مشكلته الوحيدة التي تحد كثيرا من مكانته هي اصطدامه بقواعد الإملاء العربي أثناء الطباعة إذ أن كتابته وتداوله مطبوعًا تحدث فجوة كبيرة بين الشاعر والمتلقي ، فهو أمام خيارين كلاهما مؤثر جدا إما أن يلتزم بقواعد الكتابة المرسومة سلفا للكلام الفصيح ويفقد بالتالي الشعر كثيرا من هيئته وكنهه أو أن يخترق قواعد الإملاء وينطلق لكتابة الصوت وهذا سيؤثر بشكل سلبي كبير على اللغة ، وأرى أن الاكتفاء بالدواوين الصوتية حلا وسطيا مناسبا لهذه الإشكالية ، لاسيما بعد تجاوزه عائق الإقليمية عن طريق الغناء ، فلم يعد الشعر المحكي ذو اللغة (
النجدية كلغة نموذجية له ) نكرة عند الشعوب العربية مهما تباينت لهجاتها واختلفت بسبب مد هذا الشعر وهيمنته على الغناء العربي منذ فترة طويلة ومع مرور الوقت أجزم أنه سيتوازى مع اللهجة المصرية كشعر إقليمي عام .
هل تعتبر أن مشروع الشعر العربي الحديث هو مشروع مستورد ؟
هل يصدر الشعر لمهمة محددة غير الإبداع ؟
تعرفين يانورة .. مازلتُ أرى أن قصيدة النثر بنت عربية من أم أجنبية .. تختلط كثيرا في مقوماتها مع النصوص الغربية المترجمة .. بالفعل هي مشروع مستورد ..وقليل جدا جدا من يستورده بمواصفات ومقاييس عربية .. هذا فيما يختص بالشعر العربي الحديث على مستوى ساحة الشعر الفصيح ولا أدري أيهما تعنين ياأخت الصدق .. ساحة الشعر المحكي أم ساحة الشعر الفصيح .. فلكل ساحة منهما طقوسها والعوامل المؤثرة فيها ، لكن طبيعة الحركة الأدبية ..موسمية دائما .. تشعلها قضية ما .. ثم ما تلبث أن ينتابها الركود النسبي حتى تحرك ركودها قضية أخرى ... والواقع أن الساحة المحكية اكتفت بقضايا الإثارة الصحفية عبر إجراء الحوارات مع الشعراء والدفع بهم إلى صراعات متنوعة ومتشابكة وأكثرها للأسف الشديد يتم بصفاقة وحماقة لاتليق بالشعر والشعراء .. أما ساحة الفصيح .. فلا تزال تبحث عن ذاتها عبر المد ( الصحفي ) للنص المحكي من خلال انتشار المجلات المختصة به بصورة مرعبة جدا ، مع غياب واضح للنقد المواكب بصورة عامةولهذا لاأجدها واضحة المعالم من حيث الاستيراد والتوطين ...!
ياااااااااانورة .. جميعكم ..جميعكم هنا تلوّحون بعنق وردة أيها الطيبون ..
تعرق الدقيقة وتنحسر الظلال .. يتمدد البحر على أريكة الظهيرة ، تسافر الكلمات من شفتي ..
يا الله ..كل شيء يشي بالزرقة ... هو البحر إذا .. أو هو اللون لاأعرف .. فلطالما قلت إن زرقة البحر محاكاة للسماء .. وأن النجوم التي تكسف في الظهيرة ، تترك للشمس فرصة جمع الظلال لشهقة سواء ...!
هذا الاحتفاء .. هذا السفر إليكم .. هذا البريد الوارد الذي يحملني إلى هنا .. هذا أنتم أيها الكثيرون بقلوبكم ..وهذا هو أنا بينكم ..فشكرا لقلوبكم وتحية تقدير لإدارة الموقع التي دلّتني عليكم