- عامٌ آخر وأنا تائهٌ بين وجوهكِ في غابة مراياك، فمن أنتِ؟
- أنا ذاكرةٌ لا تريد أن تفقد ذاكرتها. وأنت، من أنتَ؟
- أنا رجلٌ استطاع الحصول على كلّ شيء في الحياة. ثمّة شيء واحد ينزلق من بين أصابعي: إنّه الحياة!
- لأنّكَ شفاف توهّموك زجاجاً هشّاً. وكنتَ رجلاً قُدَّت روحه من ألماس صلب!
- حين أكتبُ عنكِ، يتحوّل قلمي الرصاص بين أصابعي إلى شجرة حية.
لماذا هجرتِني ما دمتِ لا تكرهينني؟
- أن تجيء إلى المقهى متأخّراً يومين عن موعدنا، وتجدني ما زلتُ جالسة ً في انتظارك، أدفّئ فنجان قهوتك بيديّ وأنفاسي ، هذه فكرتك عن الحب !
- ألا تبالغين؟
- مأساتي أن حبّي مبصر، مجنون لكنه يرى بوضوح.
حين احتضرتُ على طاولتكَ كـ سمكة، مرميّة فوق صخرة، أمطرتني بسكوتك. وحين سقطتُ على الأرض مثل جريدة عتيقة لم تنحن ِ لتلمّني!
- وهل أنتِ سعيدة بانتصارك ؟
- لستُ أكثر من ريشة في مهبّ الظلام والثلج والذاكرة، وانهيارات مناجم السنوات.
- ألستِ غريبة الأطوار بعض الشيء؟ تلاطفين خناجر الماضي؟
- سئمت حرفة الوداع، لا أريد أن تتخذّ العلاقة مع ما كان صورة القطيعة. أكره التنكّر للذين يسبحون في دورتي الدموية!
وأنتَ أما زلتَ على قيد الحب؟
- ما زلتُ على قيد الحبّ والحياة والجنون، فأين نلتقي؟
- سنلتقي عند النهاية الأخرى للمطر! لن أدعك تخترق أسوار روحي مرّة ثانية ً برمحك المتوّج برايات شهريار المنتصر.
ذكرياتي الآتية تقول لك: كلّ عامٍ وأنت بعيد!
- هل ترضين بمهنة الفراق؟
- مهنتي؟ سجّانة لمشاعري نحوك!
ما زلت أتذكر كيف أوسعتني حباً، معك تعاقبت المنافي على قلبي، والحرائق ..
- ولكنني أحببتكِ وما زلت!
- ثمّة أنماط من الحبّ تشبه الاضطهاد.
معك، أفضّل التعايش السلمي الفاتر، فلا تطاردني حتى عقر أحلامي!
- كم أسبوعاً في كل يوم من أيام الفراق؟
- كلّ يوم فراق سنة ضوئية. ولكن، بعدما مزّقتني ومزّقتك مثل رسالة لا نريد أن نعيد قراءتها، لماذا تريد أن نحاول عبثاً إعادة إلصاق بقاياها لنجدّد تلاوتها.. بأحزان وميتات لا تُحصى؟
- لا أريد أن أخسركِ في هذا الليل الماطر المُظلم، ليل الاختناق والرتابة والعمر المعلّب والأصدقاء الألداء!
- حتّامَ تصهل خيولك وتهرول أفيالك فوق شطرنج أيامنا؟
لقد ربحتَ الحرب يا صديقي، وخسرتني !
غادة السمان
6/1/1995م