مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 19-06-2009, 22:20   #5
يعرُب
 

رد : بعض الحكايات لا تنتهي ..!


6
ثلاث سنوات من العذاب في هذا البلد ، الذي يشعرك أن حظوظك في الحياة ليست جيدة ، وأنها تتوقف في محيط هذه العاصمة ، تنتابك لحظات ضعف تجتاح سكون الليل ، فتظن أن قبرك سوف يكون في طرف المدينة ، هناك حيث يرقد العبيد في مقبرة ، لا تفرق بين كونك مسلم بالفطرة ، أو لست على تلك الديانة .


وظيفتي تزويد سفن الشركة التي أعمل بها ، والقادمة من شرق آسيا ، والمتوجه إلي أوروبا والعكس ، أحيانا اقضي أيام ثلاثة إلى أربعة في الميناء ، دون العودة إلي منزلي ، اشتاق لهدوء شقتي ، ومنظر الغروب من نافذتي ، إلا أن صخب الحياة في الميناء يزيل عنك وحشة الضواحي ، فيه تقابل أجناس مختلفة من البشر ، منهم تستمد ، أن هناك حياة أخرى في الجانب الآخر من البحر ، ويكون معهم أمل الخلاص من هنا .

كثيرا ما أفكر ، كم شخص في هذا العالم يشعر بمرارة ما أشعر به من غربة ؟ ، وهل الغربة متساوية في العذاب ؟

يزداد حزني حينما نودع السفن التي مكثت في الميناء أكثر من يوم ، بسبب عطل أو تأخير في تفريغ أو تحميل ، وهي تغادر الميناء ، ورفاق يومين أو يزيد ، يلوحون بأيديهم ، وكأن ليس هناك لقاء آخر ، فهم لا يعرفون هل سيعودون مرة أخرى من نفس الطريق أم يتم توجيههم إلي طريق آخر .

نحصل على الكثير من الهدايا أثناء عملنا ، أكثر ما أتذكر من الأشياء التي حصلت عليها هو تمثال بوذا ، مصنوع من الفخّار ، كان من سفينة صينية ، توقفت ثلاثة أيام ، تكونت مع طاقمها علاقات جيدة ، من بينهم رجل أفغاني منحني ذلك التمثال ، وبادلت التمثال برغبة مثل تلك التي كان يرغب بها المعاق على الكرسي المتحرك ، مع فتاة افريقية تعمل في بوفية الميناء .

برغم أن الرغبات مقتولة ، كما قال صديقي إلا أنها تأتيك مرات عديدة وبعنف ، فلا تستطيع مقاومتها ، عليك أن تتحايل عليها بشيء منها ، فتزول وتبقى أنت ، لكنها تتجدد لك مرة أخرى ، فتبحث عن الخلاص منها ، والخوف يحيط بك من كل مكان ، رغبات ووجوه مختلفة تذهب ولا تعود ، لكن رغبتك تباغتك في كل مرة ، وتظل تبحث لها عن وجوه جديدة ، وبطرق أيضا فيها الكثير من الحيلة .


يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس