مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 31-07-2009, 02:30   #10
سمـا خير
عضو متميز
 

رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع

بقلم كاظم شبيب
كتابة القصة


مقدمة :


( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) الأعراف 176

كل واحد منا يمارس دور القاص ، بآليات مختلفة ، فعندما ينقل أحدنا طرفة للآخرين فهو يقص قصة، وكذلك عندما يصور خبرا ما على هيئة قصة ، وسرد رؤية في المنام وحادثة وقعت للمتكلم أة للآخرين وقائع السفر والرحلات وغيرها من الصور.

وقد مارس آباؤنا وأجدادنا دور القص من قديم الزمان لذا نجد أن معظم ما نقل إلينا من الموروث الاجتماعي والديني والثقافي كانت إحدى آلياته المؤثرة والفاعلة هي القصة .

ويعود تاريخ القصة إلى بداية وجود الكائن البشري على الأرض ونجد ذلك على صفحات الكتب السماوية كالقرآن والتوراة والإنجيل حيث تحتوي على آلاف من القصص التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقائدية بين طياتها .

ولدى كل مجتمع إنساني موروث متراكم من القصص التي تعبر عن تاريخه وبطولاته ، هزائمه وانتصاراته واقعه وأحلامه أحاسيسه وانفعالاته أفراحه وأتراحه تمنياته وانحساراته حتى أصبح لدى بعض المجتمعات مكانة خاصة للقاص والقاصين فالحكواتي على سبيل المثال له في المجتمع الشامي وبلاد الهلال الخصيب مكانة معنوية وموقع للجلوس يؤدي من خلالهما دوره كقاص

وفي مجتمعاتنا الخليجية نجد مسميات أخرى تعطي ذات النتيجة مثل الخرافة ، السالفة ، الحكاية ، وتنتهي جميعها إلى معنى واحد مشترك هو القصة .

ولايخفى على أحد بأن النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى القصص .



· القصة والأدب :

القصة هي إحدى الفنون الأدبية لها أدواتها وشرائطها وأغراضها وتركيباتها وأشكالها الخاصة بها كما للشعر والمقالة والمسرح والخطابة ذلك .

وكما أن لكل فن أدبي بحوره وأنواعه كذلك للقصة ففيها الملحمة الروائية والرواية والقصة الطويلة والقصة القصيرة وقد يطلق البعض على الأخيرة مسمى أقصوصة.

فالملحمة الروائية _ من حيث الكم _ تتكون من عدة مجلدات أو أجزاء مثل الحرب والسلام للكاتب الروسي تلستوي وهي من 4 مجلدات ، وثلاثية نجيب محفوظ ، ومدن الملح للكاتب العربي عبدالرحمن منيف وهي من 5 أجزاء ، وكذلك ألف ليلة وليلة ، وقصة فيروز شاه ابن الملك ضاراب ، وقد يطلق البعض علىهذه الملاحم اسم الرواية .

أما الرواية من حيث الحجم أيضا فتتكون غالبا من جزء واحد بينما القصة الطويلة هي التي لا يمكن أن نقول عنها قصة قصيرة لطولها الواضح ، والقصة القصيرة عكس ذلك.



· القصة القصيرة :

تعبر القصة القصيرة عن لحظة الزمان أو لحظة المكان ، أو كلاهما بما في تلك اللحظة من علاقة وثيقة بما قبلها أو بما سيأتي بعدها وبما يحيط بها فتختزل فيها الأشياء الزمان والمكان والشخوص والحوار والحدث في نقطة واحدة ، تتمحور حولها كل الظروف . والفرق بين الروائي والقاص كالفرق بين ممارسة السباحة في البحر للراوي وفي بركة السباحة للقاص . وقد تحتوي الرواية على مجموعة من القصص المتصلة ببعضها البعض ، فتتراكم لتعالج موضوع واحد أو مواضيع متعددة ضمن سياق دائرة معرفية واحدة

بينما القصة القصيرة تعبر عن جزئية صغيرة قد يراها الكاتب مهمة في وجدانه أو الوجدان الاجتماعي والثقافي أو كما يقول الكاتب تركي السديري ( القصة القصيرة تعبر عن ومضات يختزلها القاص ولا تحيط به ) يقول الروائي صبري موسى ( إن القصة القصيرةهي أكثر الأشكال ملاءمة للتعبير عن الحياة اليومية المتدفقة لأن ما تحققه القصة القصيرة إنما تنجزه بواسطة التوغل في تفجير لحظة ما أما الرواية فهي تمضي بشكل هادئ ثم لا تلبث أن تحتشد وتعتني حتى تتسلل بمادتها إلى القارئ لتمتعه وتستثير قدرته على التفكير والتأمل ) .

وتستلهم القصة القصيرة كفن أدبي من كل فن ادبي عنصرا أساسيا فتجتمع العناصر وتظهر في صورة إبداعية قصصية جميلة لها مذاقها الخاص في عقل ووجدان المتلقي فهي ( فن يجمع كل الفنون ففيها من القصيدة بناؤها وتماسكها وفيها من الرواية الحدث والشخوص وفيها من المسرح الحوار ودقة اللفظ واللغة وفيها من المقال منطقية السرد ودقته وهي بذلك تأخذ من كل فن أدق وأجمل ما فيه لتقدم لنا إمتاعا فنيا راقيا "

ولا تتوقف العناصر المشتركة بين القصة القصيرة والفنون الأدبية الأخرى عند ذلك بل تشترك معها أيضا في العناصر الرئيسية للأدب كالعاطفة والخيال والمعاني ونظم الكلام وتنفرد بخصوصياتها المكونة لها مثل الشخوص والحبكة والبناء والحوار …إلخ .

قد يشتبه على البعض عند الكتابة في لبغرض من القصة القصيرة مما ينحو بها إلى فن أدبي آخر كالمقالة بينما لكل واحد منهما المقالة والقصة القصيرة أدواته وأغراضه فالاتجاه بالكتابة في أسلوب المصلح أو المرشد الاجتماعي عمل قد يكون مقبولا في المقالة ولكنه في الدوات والعناصر والأسلوب غير ممكن في القصة القصيرة وكما هو أيضا مقبول في الإرشاد الديني بلغة الخطابة ولكن لا يمكن حمل ذلك على القصة القصيرة وطبيعتها .

· القاص والقصة :


لا نستطيع خلق قاص أو قصة بمجرد العزيمة والنية لأن ذلك حصيلة إبداع وتراكم تجربة ذاتية ناضجة متنوعة ومحيطة بما حولها مدركة التناقضات الجارية في الحياة اليومية فتتجسد كفكرة يتفاعل معها الكاتب فتختمر في العقل والوجدان ليعبر عنها على شكل حروف وكلمات وأسماء وأفعال ثم ترتص في جمل فعلية واسمية لتخرج على هيئة فقرات مترابطة ومتفاعلة لتعلن عن وجود قصة لها بداية ووسط وخاتمة أو كما يسمى لدى بعض النقاد التقليديين مقدمة وعقدة وخاتمة .

وعليه فإن نقطة الانطلاق لبداية القصة ونهايتها هي الذات ، فكاتب القصة إذا راقب الدنيا بعينيه وأصغى لأصوات مخلوقاتها وتلمس الأمور والأشياء ببدنه وتشمم روائح الأشياء والأحداث بأنفه وتذوق حلو الحياة ومرها بلسانه وتحسس الفضاء والطبيعة بوجدانه وعرف إنسانية الإنسان بعواطفه ثم استطاع أن يعبر عن كل ذلك بالحروف والكلمات والجمل والفقرات عن قناعة وإدراك وتفاعل فهو يكتب قصة حقيقية يتفاعل ويتعاطى معها المتلقي .

يحتاج الكاتب القاص الناجح والمبتدئ إلى القراءة القصصية الدائمة مما يسهم في تطوير تقنياته الأدبية ويقنن إطاراته القصصية ، ومعرفة تلك التقنيات والأطر عند المدارس القصصية المختلفة الأمريكية والأوربية الروسية والشرقية العربية بأنواعها تنمي المعرفي والتجريبي للقاص وبالخصوص إذا كانت غير محصورة القراءة في نوعية واحدة كالقصص الغرامية والبوليسية التاريخية والفنتازيا الاجتماعية والمغامرات .

وتكتمل هذه القراءات إذا رافقها بعض المطالعات في نقد القصة والرواية وبذلك ستتكون لدى القاص دائرة معرفية واسعة في الذات للانطلاق منها في الكتابة وتترسخ هذه المعارف إذا ما حاول الكاتب إعطاء نقده الخاص الشخصي في كل ما يقرؤه .

ويحتاج كاتب القصة أيضا إلى اقتناء كشكول دائم كآلة لا يستغني عنها في مسيرته الكتابية يكون بمثابة معجم للمفردات والجمل التي صادفته وأعجبته ومسجل للمناظر الملموسة والمحسوسة والمسموعة التي اعتصرته وعانقته في لحظات محددة ومصور لوقائع يمر بها بما فيها من عواطف وانفعالات وهوقيد لآراء فيما يقرأ وتقرير لأوصاف الشخصيات المتنوعة ممن يقابلهم ولهم تأثير على الناس سلبا وإيجابا وقد يحتوي الكشكول على مقتطفات من الصحف والأخبار المتنوعة مما يلفت انتباهه وكما يقول ولسن ثورنلي وهو من أشهر الخبراء في تدريب القصة القصيرة في مدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية " كل كتاب القصة تقريبا الذين يناقشون فنهم يتحدثون عن دفاتر ملاحظاتهم كشيء لا يمكن الاستغناء عنه " ولكن وبالرغم من العناصر الموضوعة لكتابة القصة القصيرة ووجود مواصفات للبناء وخصائص للأغراض إلا أن ذلك كله لا يقيد الكاتب عن الإبداع في إنتاج قصص مشوقة لا تعني الجمود عن حدودها بل تهذيب الكتابة وإرشادها وهذا ما عناه الروائي والناقد ادوارد الخراط عندما تحدث عن الإبداع بقوله " ليس في الأدب أو الفن قانون مسبق جاهز يطبق سلفا "

سمـا خير غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس