مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
قديم 21-02-2010, 23:03   #19
فوزي المطرفي
فـعـل مــاضي!
 

رد : صدور رواية ( اقتراب ) للقاص المبدع فوزي المطرفي



من أجواء الرواية

لم يعد مهمًا. نقف الآن في صفٍ طويل حزين كلّ شيءٍ مجاور يأخذ صفة ثابتة حزينة شمس لا تكاد تحضر صريحة ترتسم على الأجساد بشظايا صغيرة متفرقة ريحٍ باردة تهب بتقشف على ما تمر به من ملامح باكية ملامح لها صفة الأسى والوجوم الحار. السيدة التسعينية تكاد تنفرد بالحزن لم تكن لها أجفان مبتلة ولا دموع واضحة كانت تحتضن الأوجاع في راحتيها وتضمّ بأصابع مفتوحة جبينها الهرم فقط هكذا كانت تفعل. الأمهات يمتلكن شعورًا مضاعفًا عند كلّ عارض والعارض لا يمتلك فضيلة الحنو. شقيقته الوحيدة تقاوم رغبة البكاء رغم أن عينيها غائصة بدمعٍ لامع وأسارير تكتنز التعب من المؤلم أن يتسلح الإنسان بالقوة في مواطن كهذه. عند تشييع الجثمان لم يكن هناك الكثير من الناس, سار النعش بهدوء على أكتاف ريفيّة متعرقة تعيش بين غابات المزارع ودروب الحقول, مرّ بالبيوت والطرقات الملاصقة حتى انتهى إلى مقبرة الأسرة الشمالية بجانب مخازن الزيت الكبيرة.
الإنسان يتوق إلى أرض مولده دائمًا وفي الريف يعتقدون أن الميت يظل حزينًا معذبًا حين يكفّن بترابٍ غريب هكذا حملوا النعش الأبيض من المدينة يتسابقون رضاه ويتسنمون سعادته لم أكن أشاركهم في شيء اعتدت الفرجة مع جلال حين كنا أصدقاء وظللت بها حتى في أحلك الظروف. على أصواتٍ حزينة أخذنا بالاقتراب نحو جدران متهالكة تلتف بالمكان. الباب الرئيس مصبوغ بطلاء ليلكي قديم يظهر على مساميره الصدأ وعلى درفتيه صورة مشابهة للعذراء الطاهرة في الداخل ترتفع نصب الرخام على القبور بشكل موحد القبور ذات عدد قليل يمكن حصره مع معاودة النظر أكثر من مرة وهي على شكل مرتب التقسيم يسمح للأقدام الوصول إلى آخر جثة مدفونة دون مخاوف الاعتلاء. لم أتعاطف مع المنظر كثيرًا على اليقين لم أقدم أي مشاعر معبرة يمكن الاعتراف بها المكان بسيط جدًا يشبه حياة ساكنه الذي جاء فجأة وذهب إلى حيث مغارس الزيتون وجذور البساتين هناك إلى حيث العالم السفلي الذي كثيرًا ما كان يسأل عن ماهيته العميقة وطقوسه المختلفة وكيف أن الحياة في تلك العزلة الملتحفة بالأرض لا يمكن أن يجلو غموضها أحد إلا أن يعود ويبعث من جديد.

التوقيع:
ما أشدَّ فِطام الكبير!
مالك بن دينار


:
:
الموقع الشخصيّ

.
فوزي المطرفي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس