23-05-2009, 10:57 | #1 |
وريث الرمل / شــاعــر وأديب
|
قراءة تحليلية لقصيدة ( نخلة ) للشاعرالسعودي: إبراهيم الوافي
قراءة تحليلية لقصيدة ( نخلة ) للشاعرالسعودي: إبراهيم الوافي " وريث الرمل" للناقدة : رحاب فارس الخطيب القصيدة : كيفَ لم أنتبهْ .. أنَّ مفرد جمع النخيلِ بقاعدةِ النحْوِ نخلةْ لها ثمرٌ مثلُ قطعةِ سكَّر كنتُ كلَّ صباحٍ أصبُّ المياهَ بحلقِ الفسائلِ أبحثُ عن أنثويتها حينَ تكبُر ..! وقفتُ على حدِّ إبهام رجلي أصبُّ المياهَ بحلقِ الفسائلِ والنخلُ يكبُر ..! تقوَّسَ إبهام رجلي وماعدتُ أقوى السقاية ( بالحقنِ ) والنخلُ يكبر كيفَ لم أنتبهْ أنَّهُ حينَ نقرأ في لغة الأرض من حولنا سوفَ نلقى النخيلَ الوحيدَ المذكَّرْ …!!! كيفَ لم أنتبه ..؟! أنَّه ..حين أخلو بذاكرتي طاعنَ السنِّ قلبي وفي شفتي تمتمات الوَلَهْ .. أتهادى رويدًا ..رويدًا إلى المكتبة . ( طاعنَ السنِّ قلبي وفي شفتي تمتمات الوَلَهْ.. إذًا ليس غير القصيدة : عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَر .. إيقاعُها رجفةُ الريحِ بين السَّعَف سوطُ الشتاء على ظهر فلاحِ يسقي النخيلُ ولا يرتجف ! ) أرتدُّ ثانيةً هرولة ..!! كيفَ لم أنتبه أنَّ للعمرِ آخرةً غير تلك التي لوَّنتْ أولَهْ ؟!! كيفَ لم أنتبه.. أنَّهُ حينَ تبني العصافيرُ أعشاشها حولَ عذْقِ النخيلِ ستطعمُ أفراخها من حبوب الفضاءْ وتقرئها لغةَ الكبرياء حينَ كنتُ صغيرًا تسلَّقتُ نخلةَ جدي العتيقة عدتُ بعصفورِ عشٍّ صغيرٍ ومن فوقِ رأسي العصافيرُ تنقرُ بالريحِ تمطرني غيمةً من نداءْ كيف لم أنتبهْ أنَّ للنخلِ حرمته للعصافير أغنيةً من بكاءْ ؟! كيف لم أنتبهْ ؟ انَّ للريح ساقينِ للنخْلِ ذاكرةً متعبةْ حينَ كنتُ صغيرًا سألتُ أبي كيفَ ينمو النخيلِ ارتفاعًا ويشرعُ للريحِ أبوابُهُ بينما الأرض من تحته معشبة كيفَ لم أنتبهْ !؟ حينَ قاسَ المسافةَ بين النخيلِ وبيني وبين الظلالِ وبيني وأطبق بالصمتِ يضربُ مسْحاهُ في الأرض حتى تشظَّتْ ظلالُ النخيلِ وقرَّ بعينيهِ وهمُ الشَّبهْ ! القصيدة في عين ناقدة : لكل منا شخصيته التي تتأثر بالأشياء وتؤثر فيها .. لها دلالاتها .. رموزها .. عشقها لما حولها ، لما ترمز اليه تلك الموجودات . السماء قد تعني لي رمزاً عظيماً اقف مشدوهة امامها .. وقد تعني لك شيئاً آخر .. ومن هنا تتكامل الحياة … النخلة تلك الشامخة التي تمتد حتى السماء وقف عندها شعراء كثيرون جسدوا من خلالها الانتماء للوطن وللحبيبة والأم .. فقد اخذت مساحة كبيرة من عشقهم اللا متناهي ،، لا ادري لماذا تستحوذ النخلة على كل تلك المشاعر لدى الانسان العربي ، لا بل النخلة هي رمز للعروبة .. لا ادري لماذا انتابتني كل تلك المشاعر وبأنني عدت الى امي حينما رأيت اول نخلة في حياتي .. شعرت برغبة عارمة في البكاء وحنين لا يوصف ..!! احاسيس جياشة نشعر بها عندما نرى نخلة عظيمة فتنتابنا المشاعر الفياضة فنبدع وننظم اشعاراً غاية في الرقة والجمال .. وهذا ما جسده لنا شاعرنا الذي تميز برهافة حسه وقوة حضوره الا وهو شاعر النخيل ابراهيم الوافي ( وريث الرمل ( بدأ شاعرنا قصيدته والتي هي بعنوان "نخلة " بعبارة تكررت في جميع ( دفقات ) القصيدة " كيف لم انتبه ؟ " .. وكأنه يضعنا امام حقيقة تغافلناها او قد انستنا اياها السنون بما جاءت به من احداث فأتعبتنا وعتمت القدرة لدينا على تذكرها … هنالك حقيقة نحوية تقول بأن مفرد جمع النخيل هي نخلة .. ! فهنالك كثير من الأشياء حولنا بديهية الا اننا لا ننظر اليها وننسى حقيقتها احيانا فالنخلة لها ثمر مثل قطعة سكر .. حقيقة اصبحت وكأنها شيئاً عادياً الا ان الشاعر لم ينتبه اليها في سابق عهده ، فالحياة احياناً تكون حلوة لا نشعر بحلاوتها او اننا كنا سعداء ولم نعرف ذلك الا بعد فوات الأوان .. فنستيقظ ونقول :- قد كنا سعداء !.. ذكر شاعرنا بأنه : كنت كل صباح اصب المياه بحلق الفسائل ابحث عن انثويتها حين تكبر ..! وقفت على حد ابهام رجلي اصب المياه بحلق الفسائل والنخل يكبر !.. تقوس ابهام رجلي … وما عدت اقوى السقاية " بالحقن " والنخل يكبر في هذه الدفقة الشعرية يؤكد الشاعر على عشقه للحياة والاستمرار فيها من خلال صبه الماء على الفسائل الا انه تعب مع مرور الأيام فكان تقوس ابهامه والذي يرمز الى ضعفه وتعبه لكن النخل يكبر .. بحث عن انوثة الفسائل الا انه وقف على حقيقة ان لغة الأرض ترى بأن النخيل الوحيد مذكر ..! وفي ذلك لمسة حزينة تنم عن وحدة مفروضة لم يستطع الشاعر اخفاءها فلا تتكامل الحياة الا بالمؤنث … اما في الدفقة الشعرية الثانية والتي عبر فيها الشاعر عن حزن قلبه بوصفه طاعن .. الا انه يتمتم بالحب لا بل بالوله .. فهو مصر على البقاء والحياة ، فلا يستطيع الحب من فارق الحياة .. رغم وهنه وانه يتهادى رويداً رويداً الى المكتبة ...اذن فهو مستمر في الحياة والإفادة والاستفادة .. وهنا يستحضر ما قاله السياب في انشودته : عيناك غابتا نخيل .. ساعة السحر فكان للقصيدة وقع الريح .. وهنا الريح ترتجف بين السعف ، وللشتاء سوط على ظهر فلاح ..! ما اروع التعبير لدى شاعرنا عن الألم وصوت الألم الذي ابرزه من خلال استخدامه للحركة والصوت في دفقته مما اعطى القصيدة حركة وعنفواناً لتترك اثراً بأن للحزن وقع لا يمّحي .. فسوط الشتاء رغم قساوته له وجه مشرق آخر فهو يسقي النخيل دون ارتجاف .. وهنا يشعر الشاعر بتناقض مع ذاته وان للعمر آخرة غير الأولى ..! ففي الاولى كانت حياته ملونة .. والألوان هنا رمز الحياة والاشراق .. اما بقية العمر فلها لون آخر .. نقف هنا عند تناقضات كما رأيناها عند السياب .. الحياة والموت .. الحب والحزن .. وهذا يبدو جلياً من خلال تأكيد الشاعر ان للعمر آخرة غير تلك التي لونت اوله .. اما في اللوحةالتي رمز اليها بالحرف ( ل ) من احرف النخلة .. فينتبه الى حقيقة لم يلحظها سابقاً .. وهي ان العصافير تبني اعشاشها في اعالي النخيل .. وتطعم فراخها من حبوب الفضاء وتعلمها الكبرياء ..وهذه صورة جميلة عذبة .. وأنه عندما حاول صغيراً تسلق نخلة لم يشعر آنذاك بحرمة النخيل وما للعصافير من لحن شجي .. لا لم ينتبه بل انه صور الريح انسانا له ساقين ..وما اظن ذلك الا الانسان الذي تمر به السنون فلا يعود يقوى على الذاكرة والتي اسقطها على النخيل هنا … .ومن خلال اللوحة الأخيرة اكد شاعرنا على الشبه بينه وبين النخلة والتي اكد له والده عندما كان صغيرا .. ( عندما قاس المسافة بينه وبين النخيل وبين الظلال وبينه ..) ذلك الشبه .! .فهو النخيل الذي يشرع للريح ابوابه وينمو ارتفاعاً ويصمد في وجه الريح ويشرب من مياه الشتاء محاولاً التجلد والارتفاع وهو العصفور الذي يعلم الآخرين الكبرياء .. وهو الريح الذي لا يرتجف وهو الشتاء .. بما يحمله من حزن يحمل الحياة في طياته ويسقي النخيل ..! قصيدة التناقضات هي ( نخلتنا ) .. الحياة التي تولد من الموت والحب الذي يقتحم الحزن فتستمر الحياة .. مشاعر كثيرة تنتابنا ، نحزن تارة .. ونستشعر الأمل تارة اخرى .. تخنقنا الذكريات احياناً الا اننا نصمد كالنخلة في وجه الريح لنرتفع ونسمو نحو مستقبل اجمل نشكر شاعرنا المبدع الذي اتحفنا برائعة من روائعه |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|