05-11-2009, 21:11 | #1 |
فـعـل مــاضي!
|
قراءة في سديم القديم للمحلّق: بشير الصاعديّ.
. القصيدة: سئمتُ من التّعقـل أدركينـي وصبّي من جنونِك في جنوني أعيديني الـى عبثـي فإنـي إليـه يكـاد يقتلنـي حنينـي أنا خطأ ضعي خطين تحتـي بإشفـاقِ المعلـم صححينـي يحاصرني الثناء على سلوكي وإطـراء القبيلـة يحتوينـي وكم أثنى الرجال على هدوئي وما هو غير حمقٍ يعترينـي نعم أنعم بـه قـد سيّجَتنِـي تعبتُ من المدائح فاشتمينـي أقلّبُ في سماءِ الجهل طرفي وما أدركتُ فيمـا حدثونـي من المسوؤل عن تكبيل فكري ليأتي مولدي فـي أربعينـي أنا من أين جئتُ سألتُ أمـي وفي العشرين أهلي خبروني تُحدّقُ في عيون القوم عينـي ولا أدري شمالي من يمينـي أعيديني كما لو كنـتُ طفـلا وردّي اليَّ ما نهبتْ سنينـي أتيتُ الى الحياةِ ومـا أتتنـي كأنّـي أكلـةٌ لا تشتهيـنـي فعمرٌ فرَّ مني ليس عمـري وشيبـي حيلـةٌ فلتنقذيـنـي تعبت وراء هذا الوهم ركضاً فمرّي كاليقين على ظنونـي تقوقع في حنايا الصدر قلبي تعالي أخرجيـه وأخرجينـي أحبك حين كان الحـبُ وهمـاً فكيف اذا وضعتك في يقينـي ترامت في شتات البوح روحي على أمـلٍ لهـا أن تسمعينـي فما زالـت أنامـل ذكرياتـي بتحنـانٍ تمـرّ علـى جبينـي غفتْ في مهجع الأهام عينـي فيا فجـرَ الحقيقـةِ أيقظينـي سأهلك دونهـا إن لـم أنلهـا وإلاّ تهلـك الأحـلام دونـي الشاعر/ بشير الصاعديّ. . |
05-11-2009, 21:14 | #2 |
فـعـل مــاضي!
|
رد : قراءة في سديم القديم للمحلّق: بشير الصاعديّ.
. هذا الشعر الفلسفيّ, يثير فيّ رغبةً عارمةً للسفر. لا أدري نتيجة هذا الشعور ودواعيه بشكلٍ ماديّ ملموس, بيد أنّ الحكمة الكامنة كمون النار في حجر الصوان, داخل جمجمة الأبيات الصاعدة إلى أعلى؛ كثيرًا ما تأتي بلذةٍ مفرطةٍ في إثارة مثل هذه الأحاسيس. وسأهلك دونها إن لـم أنلهـا وإلاّ تهلـك الأحـلام دونـي. إنّ في لغة القصيدة المتقدمّة, اعترافٌ بخيبات كثيرة, ورغبات أكثر. هكذا تفعل الحكمة ـ وهي عملٌ لا يطيقه إلا الممتحن بثقل العقل ـ مع تسابق الأيام وكرّ الليالي. حسنًا وبدون مورابة. التاريخ يحفظ نماذج إنسانية بلغت من التأمل والحكمة درجات رفيعة, لكنها ـ وهذه مزيّة لا يعقلها إلا العالمون ـ صرخت بميكافيليّة ـ محبّبة إلى قلبي ـ بأشياء غايةً في البساطة المعقدة, كانت قد امتنعت بدواعٍ ماكان لها أن تكون. يحضرني الآن حمزة شحاتة في كتابه رفات عقل, والرجولة عماد الخلق الفاضل, وإيزابيل اللندي في كتابها أفروديت. سئمتُ من التّعقـل أدركينـي وصبّي من جنونِك في جنوني أعيديني الـى عبثـي فإنـي إليـه يكـاد يقتلنـي حنينـي أنا خطأ ضعي خطين تحتـي بإشفـاقِ المعلـم صححينـي السديم يأتي الأماكن العالية, وحين ران وجع السؤال على هذا الشاعر الملهم, بدأ الصراخ بكلمةٍ موجزة المعنى: سئمت. الشائع الذي يتبع هذه الكلمة, غالبًا ما يكون من الحياة ومتاعبها وتكاليفها, أما أن يكون من التعقّل, أي المبالغة في العقل حتى التعب والحرمان, فهذه هي الحبكة ذات العقد. ماذا يريد؟ قلت قبلاً أن الأسياء البسيطة المعقدة تكون سانحةً ممتنعة بموانع شتّى. يقول حمزة شحاتة:«لا توجد بين الفضائل فضيلة, أو بين المزايا مزية تعرضت لما تعرض له الحياء من الامتحان» الحياء يعصم, وحين ذاك يكون الصراع النفسيّ الذي قد يترفّق على الصبر, وقد يحتال على المحمدة. يحاصرني الثناء على سلوكي وإطـراء القبيلـة يحتوينـي وكم أثنى الرجال على هدوئي وما هو غير حمقٍ يعترينـي هل ذهب الأسير بقيده؟ الحصار يفتح نافذة التأمّل, تابعوا هذا التداعي العقلاني المفكّر. الثناء هو حقٌّ للممدوح ـ إن حقّق مأثر العدل والشهامة ـ وواجبٌ على المادح. لكنّه يطوّق الحركة الداخلية للفعل الإنساني المجبول بالخطأ الفطري, تمامًا كمن يمنع الطفل الحركة التي يمارسها بعينيه ويديه, وبالتالي يُفقده لذّة الشعور بطفولته البريئة, التي لا تريد أكثر من الفطرة! حسنًا, هل يتصادم العقل مع الفطرة؟ نعم أنعم بـه قـد سيّجَتنِـي تعبتُ من المدائح فاشتمينـي أقلّبُ في سماءِ الجهل طرفي وما أدركتُ فيمـا حدثونـي من يعيب على بشير هذه الـ نعم, كأنه يعيب الإنسان على آدميته. من المسوؤل عن تكبيل فكري ليأتي مولدي فـي أربعينـي أنا من أين جئتُ سألتُ أمـي وفي العشرين أهلي خبروني تُحدّقُ في عيون القوم عينـي ولا أدري شمالي من يمينـي أعيديني كما لو كنـتُ طفـلا وردّي اليَّ ما نهبتْ سنينـي أتيتُ الى الحياةِ ومـا أتتنـي كأنّـي أكلـةٌ لا تشتهيـنـي فعمرٌ فرَّ مني ليس عمـري وشيبـي حيلـةٌ فلتنقذيـنـي تعبت وراء هذا الوهم ركضاً فمرّي كاليقين على ظنونـي تقوقع في حنايا الصدر قلبي تعالي أخرجيـه وأخرجينـي مثل هذا السؤال, ومثل هذه المعرفة, تحتاج بسطة وإسهاب. إن عمر الإنسان الحقيقيّ لا يقاس بالشهور والأيام, بقدر ما يقاس بحصيلة الوعي والتثقيف. وهذا الأمر ـ بالتأكيد ـ لا يكون إلا بالتدرج. فقل لي متى تعلّمت البدهيات أقول لك من أنت؟ لنحاول الآن الجواب: حين يقف طفلان أمام جهاز الحاسب الإلكتروني, وتحديدًا الإنترنت, أحدهم يجيد التواصل والآخر مقروع بسبب العمر الغضّ الطريّ, على مثل أمر العالم الافتراضي الخطير. النتيجة أنّ هذا الآخر لن يزيد على التحديق والدهشة والحزن. وفي تقديم المعرفة الموافقة للسنّ كفاية وتربية. هذا ما أراني أجده في غاية الأبيات التي تتمنّى الطفولة والرجوع شريطة التعويض وسدّ لواعج القلب المتلاطمة كأمواج البحر في شتاءٍ جليديّ! أحبك حين كان الحـبُ وهمـاً فكيف اذا وضعتك في يقينـي ترامت في شتات البوح روحي على أمـلٍ لهـا أن تسمعينـي فما زالـت أنامـل ذكرياتـي بتحنـانٍ تمـرّ علـى جبينـي غفتْ في مهجع الأهام عينـي فيا فجـرَ الحقيقـةِ أيقظينـي سأهلك دونهـا إن لـم أنلهـا وإلاّ تهلـك الأحـلام دونـي قبل الولوج إلى قراءة ثيمة الحب بين صدر الأبيات وحنايا المعاني, أعود إلى الإعلان المتأخر في هذه الصرخات, حيث أنّ فيها استحياء لطريقة كثير من الذين أدركوا متأخرين, أن البهجة الحقيقية والمجد الحقيقيّ, لا يكون إلا في الحب. قيل ذلك عن ابن حزمٍ حين ألف طوق الحمامة وهو في سنوات عمره الأخيرة, وقيل عن صاحب كتاب الزهرة , وأيضًا كتاب أفروديت ـ وإن اختلفت الغاية قليلاً ـ لإيزابيل الليندي, إذ قالت بعد أن وصلت الخمسين من العمر: أندم على الحميات, الصحون اللذيذة التي رفضتها بطلانًا, كما أحزن على فرص الحب التي تركتها تفوتني؛ لإنشغالي بأعمال عالقة, أو لفضيلة متشدّدة! نأتي للحب وحكايته.. التي راوها المُحدّث الثقة, في آخر أبياته, وهي ـ على العموم ـ موزعةً في كلّ أفانين حديثه. إذ صوّر بشكلٍ رائد ولذيذ, كيف هو الشعور بين حب الوهم وحب اليقين (الروح), وكيف يفعل هذا اليقين في قلبِ مؤمنٍ صادقٍ تحمّم بعطرٍ وتنشّف بنور! هل أستطيع القول بأن الحب هو تلاوة الذكريات؟! أشعر بذلك ـ كثيرًا ـ حين أقرأ شتات الروح في سبيل الفوز بلحظةِ استماع, لا تحسب بقوانين ونواميس الساعات والدقائق والثواني. أشعر بذلك حين أقرأ شرط الهلاك دون هذه الأحلام! فوزي المطرفي |
06-11-2009, 02:46 | #3 |
النجدية
|
رد : قراءة في سديم القديم للمحلّق: بشير الصاعديّ.
قراءة لـ .. قصيدة ثرية بمعانيها تستحق تسليط الضوء .. قراءة في سديم القديم للمحلّق بشير الصاعديّ يتبعه متعة قراءة العميق فكرا ولغة .. فوزي المطرفي .. ابدعت بـ .. حق يارائع .. دمت بود لاينتهي .. |
06-11-2009, 21:25 | #4 |
فـعـل مــاضي!
|
رد : قراءة في سديم القديم للمحلّق: بشير الصاعديّ.
إقتباس: الرسالة الأصلية كتبت بواسطة النجدية قراءة لـ .. قصيدة ثرية بمعانيها تستحق تسليط الضوء .. قراءة في سديم القديم للمحلّق بشير الصاعديّ يتبعه متعة قراءة العميق فكرا ولغة .. فوزي المطرفي .. ابدعت بـ .. حق يارائع .. دمت بود لاينتهي .. أهلاً بالبهيّة دائمًا نجدية: لحضورك طعم القراءة العميقة والاستمتاع بالشعر. * طابت أيامك |
06-11-2009, 22:48 | #5 |
بقـايا حُلـم
|
رد : قراءة في سديم القديم للمحلّق: بشير الصاعديّ.
هذه هي الحبكة ذات العقد التي حللتها اخي المحترم فوزي حقيقه استمتعت جدا ببحور فكرك حتى قي النقد مبدع |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 2 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 2 | |
|
|
|