17-07-2010, 01:57 | #1 |
.
|
نظارتي السوداء لَم تتغير !
. . . انتظاري لكِ لم يتغير نظارتي السوداء لم تتغير هذا يعني أن الشمس تبتسِم بخبث هَذا اليوم أيضاً ولا أراها ، أشعر بأصابعها وهي تُزيل عن وجهي ووجوه الآخرين خصل الهواء الدافئة الطرق تلتحف بأقدام العابرين ولكني لا أراها ، أسمعُ شخيرها وهوَ يعلو بهرولة أحلامهم وطموحاتهم التي تقودهم إلى مايعلمون الناس ينظرون لي هَذا اليوم كذلك ولكني لا أبادلهم دقة النظرة ، أسمع امرأة تنهر طفلها بالإبتعاد عن طريقي كي لا أتعثر أو يتعثر حظه بالاقتراب مني هَذا اليوم لا يختلف عن الذي سبقه ، أنا وعصاي التي أتوكأ عليها ، و يدي التي تموء في الفضاء كلما أحسست باقترابي من شيء ما ، و ذات الأصوات المُتزاحمة عَلى من يظفر أولاً برغيف التنور ، ذات الروائِح المُختلطة بينَ رؤوس السجائر المصبوغة بحناء احتراقها ، وكتل الحمص المهروس ، المقذوفة في بركها الزيتية ، و أفواه السيارات التي مذ خُلقت وهي تُعلن عن خروج مارد ما منها .. ولكنه لا يخرج ! نفس اهتزاز الهواء الذي يحيط ذراع هذا العامل وهو يمسح على جبينه ، نفس الفاكهة الكروية وهي تتدحرج عَلى عربة البائع في انتظار من يرمي بها في الشبكة نفس النداءات التي أصبح سماعها قريب الآن ، نفس صفيق الصحون ورقص الملاعق ، ها أنا أتحسس بخطوتي أولى عتبات المقهى ، الأستاذ عامر يحيني ، حان موعد صياح الديك في جوعه ، سيطلب من الجرسون فطيرة كروسان بالجبنة ذات عجينة هشة ، وكأساً من الماء الفاتر وقهوة ، ثم سيُلاطف الجرسون بنفس النكته وسيقول : أريدها حلوة مرة ، كالحياة الزوجية تماماً ، سيضحك لوحده .. وسيصمت لوحده أيضاً كل شيء يبدو كما هوَ إلى هذا الحد كل شيء عدا ترقبي لكِ أينَ أنتِ يا يوماً آخر يولد من رحم كُل يوم ؟ عليكِ أن تهبطي من جنانكِ السماويَة فكُل شيء أصبح يليق يحضورك الآن واريتُ عصاي خجلاً وكأنها سوءتي ، وأعدتُ ترتيب طاولتي كما أحب أن أظهر بها أمامكِ ، رجلٌ ثلاثيني يتكئ على كتف النافذة كي يوحي لكِ بأنهُ بعيد حتى في قربه ، يضع القهوة عن يساره لا عن يمينه ، يهمل صفحات الجريدة ويتركها مسلوبَة عارية على طرف الطاولة الأيمن ، مُمسكاً بثوبها المُلطخ بحبر قلمه . أنتِ لاتدركين أن الجرائد لم تُخلق إلا لكي توضع على حواف الطاولات ، حتى إذا جاد بكِ الزمن تمطرينَ بثوبكِ القطني ويد الجريدَة ممدودة لتصافح آخر أطراف قطنكِ الماطر أنتِ لا تعلمين أنني أنظم يومي كاملاً للحظة عبوركِ هذه الطاولة ، أختار للأشياء أماكنها التي لم تعتد عليها لتحظى أذني بالنعومة في صوت كعبكِ المنخفض ، وأنفي بعطر Amethyst الذي ابتكرَ كي يقبل ملابسكِ وحرير جلدك ، وإحساسي بالهواء وهو يحاول معانقة ساقيكِ المتمنعتان عن أحضانه ، أنتِ لا تعلمين أنهُ إذا نفخت السماء على أهل الأرض خيل لي أن شعرك الذي لا أستطيع رؤيته تحول إلى شلال غاضب عقلت على هذا اليوم عزمي في أن أبدء معكِ حديث ما ، حديث تطرق أصابعه بابَ قلبك كما أتمنى ، ومساحة ضيقه من تفكيرك كما أقنع ، فعمدت إلى انتقاء الكلمات من فمي تماماً كانتقاء مدمن قهوة لحباتها ، كُنت أخشى أفكاري التي تقول بأنكِ لن ترضينَ برجلٍ مقضوم ، وكيفَ لا وأنتِ الصورة الكاملة المُعلقة في قلب بصيرتي . أجدبت ولم تأتي ، وأرعد الكون في قلبي ولم تهطلي ، ربما كُنتِ تنتظرينَ توقاً أكثر ، ربما كُنتِ تنتظرينَ موتاً أكبر ، ربما كُنتِ تتعمدينَ احتضار قلبي في انتظارك حتى إذا بلغت التراقي جئتِ ها أنا أحاول جر وشاح الدقائق ، وأحيط عنق الشوق بهِ لألفه ألف التفافة ، فأكتب على هامش الجريدَة وصيتي بفم جميل بثينة حين كانَ يقول : تعلق روحي روحها قبل خلقنا / ومن بعد ماكنا نطافاً وفي المهد فزاد كما زدنا فأصبح نامياً / وليسَ إذا متنا بمنتقض العهد كانَ يعتقد هذا العاشق بأن الأرواح مخلوقَة على نصفين في عالم السماء ، أودع كلاً منها في بدنٍ مُغاير للآخر ، ولذلك يحن كل نصف إلى نصفه ويفتش عنه ، وعندما يجده ! يحصل الجذب وتقوم المحبة .. لهذا يقول الشاعر اليوناني أرستوفان : ( إن المحبين قوم يبحثون عن نصفهم الآخر ) .. إذن أينَ أنتِ مني يا جميعَ أنصاف العاشقين ؟ لازلت على ذات الوضعية ، على ذات النافذة ، أحضر قلبي قبل حواسي المنتوفة ، وأجمعُ أذني وأنفي ، لساني ولمسي في بصري ، أتذكر صوتكِ الحميم وأنتِ تغزلينَ الكلمات لصديقتكِ من خلفي ، وتقفينَ بينَ الجُملة والأخرى لتتذوقينَ سُكّر نُطقكِ لها ، كانَ يخيل لي بأن الأحرف تتدافع على مدخل فمك لا تطيق الخروج فيدفعها لسانكِ مُرغماً كي لا يموت من حولكِ إذا شح صوتكِ بحديثك ، كُنت مركوناً أمامكُما أسترق السمع كشيطانٍ عاجز لأرسم آخر ملامح صورتكِ الكاملة في داخلي . قلبي الآن ينفطر فأحدهم يتقدم هذه الناحية .. ! هَذا ليسَ سحر عبيركِ ، ليسَ صخب هدوؤكِ ، ليسَ صوت كعبكِ المنخفض ! إنهُ الجرسون مُحسن ، يسألني إن كُنت أحتاج لكوب قهوة آخر ، فقهوتي غزتها البرودة على عكس صاحبها المصلوب أمامها و الذي غزاهُ احتراقهُ بكِ ! أجبتهُ بالنفي ، وقبل أن يبتعد ! خطر لي أن أرتوي بقطركِ الباقي على وجهه و وجوه من يصادفونك عنوة ، فسألته عنكِ مُستفسراً ! - أووه يا سيدي تذكرت ! جاءتني لتسأل عنك وعن أسمك ، يبدو أنكَ أثرتَ فضولها ارتويت فقلت بشيء من الإنفعال : ولماذا لم تُخبرني بذلك حتى الآن ؟ - فقال مستنكرا بتردد : إنها صماء يا سيدي ! هيَ من جماعة الصم والبكم يبدو أنهُم كانوا هنا لحضور مؤتمر ما استمر لثلاثة أيام وكان الأمس آخرها ! ! ! ! نعم صدقت .. ! رجلٌ أعمى وامرأة صماء ! ماذنب هذا الكون حتى يتحمل اجتماع نقصان كهذا . . . |
17-07-2010, 04:47 | #2 |
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
لي عودة .. |
17-07-2010, 10:38 | #3 |
شاعـرة
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
تمتلكين أسلوب مشوق ومدهش .. يجعل من يقرأ يعيش أجواء النص بكل تفاصيله .. وتقمص شخصية الرجل في القصة متقن جداً .. لدرجة أننا نكاد نسمعه وهو يحدث نفسه.. شكرا لهذا الصباح وأنتِ .. |
19-07-2010, 05:12 | #4 |
بقـايا حُلـم
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
تقمصتِ الدور جيداً في بعض الجمل شعرت انها خاطره اقرب من القصه والبعض الآخر قصه أقرب من الخاطره في كل الحالات امتعتيني بالصور ولغتك الجميله سا أتابعك في كل مشاركه رفقتك ممتعه |
20-07-2010, 17:56 | #5 |
.
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
. |
20-07-2010, 18:03 | #6 |
.
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
. |
20-07-2010, 18:08 | #7 |
.
|
رد : نظارتي السوداء لَم تتغير !
. |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|