01-03-2013, 21:46 | #1 |
المشرف العام
|
نوف الثنيان “لأنها أنثى” مجموعة قصصية تقوم على السرد والسخرية
“لأنها أنثى” نوف الثنيان مجموعة قصصية تقوم على السرد والسخرية http://www.fobyaa.com/?p=5492 تأتي نوف الثنيان، إلى الكتابة من باب الشعر، تفتحه على مصراعيه وتغوص في طياته، كأنها تريد أن تعطيه ماهية الوجود وكنهه الميمون. لا تكتب لكي تكتب، بل لأن لديها احساسا عميقا بما تشكّله الأشياء في عالمها من انشغال بتفاصيل، تتماهى ويومياتها التي تنسكب من طيات قاعها رؤيا أخرى، وأفقاً يتجاوز الحدود، إلى مابعد الحدود. كأنها الأنثى التي تكتب، وتكتب، لكي تعيد صياغة الحياة على إيقاع نبض جديد، يأخذ من معاناتها ومن فضولها النسائي معاني تنغرس في الوجدان الذي يؤسس لبناء جديد، وعلاقات جديدة، وعالم لم يكن ضمن طيات الافتراض كتابتها مشروع تحرّر، يقوم على صياغة جديدة للمفاهيم، تأخذ من أصداء قلمها بيرق وجودها، وثراء حلمها، وآفاق نبضها الذي يتهادى تحت وطأة الحلم الذي ينبجس على إيقاعات شغفها وشغبها الذي لا يُهادن، مشاغبة نوف بنت محمد إلى حد المغامرة، التي لا تعرف التراجع ولا تعرف الانكفاء، ولا تعرف إلاّ بلوغ الغاية التي تتجلى هناك على بُعد مرمى من الضوء الذي ينبجس كأنه صيرور الحياة التي تريد. تغوص في عالم المرأة من قمة رأسها إلى أخمص القدمين، تفضح مافي أعماقه من خفايا. ومافي أحشائه من معضلات، تتمدد في ثنايا يومياتنا، وكأنها الاخطبوط الذي يُطال كل شيء، ويلدغ كل شيء غير آسف على ماضاع، أو على ماسوف يضيع. إمرأة من تجليات، تكتب ماهو تحت الضوء، ماهو في العتمة أو مانظنه في العتمة، لنقرأ جيدا عالم المرأة الذي يؤسس علماً جديداُ على ضوء التناقضات التي يعيشها أو التي يقوم عليها. سيدة الحس الأنثوي الرفيع بجدارة، تمتلك ناصية الإبداع تتوغل في مساماتها، لتنكشف ملامح الواقع، بكل مافيه من دفء وبرودة، وبكل مافيه من قبح وجمال، لا تتوجه في نصوصها إلى إمرأة واحدة، ولا تنكشف رؤاها أمام عري الكلمات، ولا تستضيء بنجم لا يتحدّر من أفقها الأعلى، ولا تتهيّب الغوص في أعمق الاعماق، لكأنها المارد السحري الذي يمتثل له مصباح علاء الدين ليعطي النص بُعده الانساني النبيل، وبعده الابداعي الاخاذ، نقرأ نصّها بانسياب لافت، بعذوبة فاتنة، بخرافة الوصول إلى الأشياء، وبالقدرة على اقتحامها، لكأنها تحمل بمفردها مصباح الدجى، لا لتضيء من حولها فحسب، بل لتضيء كينونة عالم، ملّ الركون إلى العتمة، وسئم الاستسلام لآفة النسيان نصوصها قصة في سياق قصيدة، أو قصيدة في سياق قصة.. على ضوء قلمها، ينصهر الفنان في سبيكة واحدة، تعطي الابداع مداه الجمالي المنشود، نصوصها سرد لايخلو من الشعر، أو شعر لايخلو من السرد، أو لكأن السرد ينهمر بعفوية وتلقائية فتنجذب إليه لكأنه المدى يرتدي ثوبا مزركشاً من الكلمات المشغولة بأنامل ساحر محترف. تسرد كمن يحكي بلا رتوش، كمن ينفتح أمامه العالم، ليختار منه مايحلو من جواهر أو درر لا تقول ماتقوله بعيدا عن الرؤيا، بل تصيب الهدف كصياد ماهر وتحوم حول فريستها كأنها تريد أن تلتقط النهاية من ثنايا تعاقب الحدث الذي لا ينتهي. لا تصل في سردها إلى النهايات المعهودة، لا تسرد كي تصل للعقدة، ولا ينفتح باب الحل أمام العقدة إذا وجِدت، بل تستمر في سردها لتصل إلى نهاية، قد تكون النهاية التي يرجوها القارىء، أو قد تكون عكس ذلك تماما، أو قد لا تكون هناك نهاية أصلا. ” لأنها أنثى ” تكتب ولأنها أنثى تعرف ماذا تكتب، ولمن تكتب، ولأنها أنثى تدري ان نصف المجتمع في زماننا العربي البغيض على الهامش، موجود وغير موجود، لا يلتفت إليه ككائن، له فعل، وله دور ويسهم في إخصاب الأرض، وفي أعطاء دوة الحياة كنهها الإشراقي الذي يفيض سطوعا. ولأنها أنثى تدري مايدور في خلد كل أنثى، ماتعانيه، وماتروم إليه، مايؤرقها ويقلقها ومايهدّىء روعها، وما يعطيها الاحساس بكينونتها الأنسانية، وبدورها الأساسي في صنع الحياة، وفي بناء مداميكها حجرا حجرا. ليست نساء قصصها كلهن ضعيفات، حقوقهن مهضومة ويتمنين السترة، بل هناك نساء قويات، وقادرات على مواجهة شدائد الحياة بتمردهن، بعيدا عن أي مساعدة، وكأنهن يمتلكن إرادة فولاذية، تجعل الواحدة منهن قادرة على أن تسخّر بساط الريح لإرادتها، لتمتطيه وتحلّق إلى آفاق الله الواسعة. ” بساط الريح ” القصصي قبض يديها، لا يهدأ، ولا يستقر على حال، يمضي بها في متاهات واسعة، لا قرار له ولا ميناء، موغل في كل الجهات، وماض إلى عالم لم يطأه أحد سواه، كأنه مولع بالابتكار الذي ينحدر من دفء الكلام إلى لهب اللغة التي تتأجج على وقع الإيغال في حرارة الاشياء وفي بريق أسئلتها التي لا تعرف الاسترخاء. “لأنها أنثى ” الصادر عن دار الانتشار العربي لنوف بنت محمد كتاب من الزمن الابداعي الموغل في الندواة، المخضّب بالنار، المتوّج أكاليل حب وغار، والمدجج تجارب انسانية فيها من الحرارة قدر مافيها من الجمال، لكأنها تكتب بحبر جديد للمرأة الكائنة، أو للمرأة التي سوف تكون، تكتب كأن وراءها عمراً من الكتابة، من النصاعة، من البياض الذي لا يستكين، ومن الطهر الذي لم تلوثه براثن الزمن العتي، ومن الألق الذي تكتمل نضارته مع الانصهار في حمى كلام لا يعرف المهادنه، قصص من زمننا، من الواقع، من ساحة الأول، من ذلك الرفيف القصي، من برج ليس عاجياً، من فسحة الضوء التي لا ترى في الضجيج غير مساحة من الحرية، ولا ترى في الحياة غير فرصة، علينا اقتناصها لنتزود بما تغدقه علينا، ولنأخذ العبر من الوقائع والتجارب المريرة، التي تنسل إلى الاحشاء وكأنها العوسج. تكتب القصص القصيرة، القصص القصيرة جدا، كأنها تروي لي أو لك، أو لكل من يريد أن يأخذ من الكتابة جوهرها السني، بعيدا عن الحشو والتكرار والكلام الذي لا يفضي إلى شيء، تكتب غير آبهه. حسب مايبدو؟ بالمعايير النقدية، بالتنظيرات، بالاساليب المتبعة، برأي فلان أو علتان. تكتب لتكون نفسها، أو لتتجاوز نفسها أو لتقول هذا نصي بكل مافيه من خصوصية تغوص بعيدا في الاصول، او تنجذب كثيرا إلى الحداثة بكل مافيها من اختلاف، ومن جمالية، تؤسس لنص جديد، يكتنز نص نوف برؤى مغايرة، بسرد مشوّق، وغير تقليدي، بنفحات شعرية تقارب الواقع، وتتجاوزه في الآن نفسه، لكأنها تريد ان تبني نصها على اسس لم تألفها الذائقة النقدية العربية القصة؟ القصيدة.. تحضر في كتابها حضور البرق، تسطع لحظه ثم تغيب، لا لكي تغيب، بل لكي يكون لذلك الدوي اثره في تماوجات النفس الداخلية، قصة تروي سيرة الرجل الشيطان الذي يحترف الغواية، ويعمل على اسقاط ميراث العفة في زماننا العربي، متناسيا حاله التي ليست اكثر من فقاعه وسط العتمة، تقول ” سماؤه فقاعة، سرعان مانفقأت في كونه المعتم، مارد قادم من أقبية الشيطان / من دروب الغواية /يقتحم الأزمنة العفيفة / يتصيّد الاطياف الهائمة / ثم يتجاهل النظر إلى المرآة “. لا تتناول المرأة الحالمة فحسب، بل المرأة الواقعية ايضا، المرأة الراسخة التي لا تؤخذ بالمظاهر، المرأة التي تغوص عميقا في الاشياء، او ترى ماهو أبعد، كأن المرئي هو الحقيقة الوهمية التي تغش من كان معتل البصيرة تقول ” تلفتت حولها.. لم تجد إلاّ سيارة فارهة / وخواء في خارطة اللحظة / ارسلت اليه: جاذبيتك لا تكفي لاسقاطي “. لا تكف نوف عن الغوص في مسائل حساسة، كأن شغبها الجميل يسعى الى الاكتمال بحثا عن الضوء الصارخ في العتمة، كأنه الحقيقة التي لا تقبل الانحلال والانصهار في زيف الزمن القائم. فالدين ليس مجرد شكل، أنه رؤية إلى الحياة، ثقافة تنير العقل والقلب، أمّا السطحيون فيتناسون الجوهر، ليغوصوا في اشكال تافهة ومبتذلة ولا قيمة لها في المعايير التي تأخذ من الاشياء كنهها والمغزى العميق من خلقها، ” ولأنها أنثى ” فهذا لا يعني انها تتغاضى عما ترتكبه المرأة من اخطاء، لا بل تركّز عليها لأن الأنثى المثال هي الأنثى التي تتجنب الخطيئة، لتعطي الربيع معنى زهوه واخضراره. بأسلوب سردي جميل تغوص عميقا في ظروف الخيانة، التي تنتج الفراق حتما، والتي تدعوا المجتمع الذي يحيط بها إلى اتخاذ موقف سلبي منها، فتفقد المرأة ذلك الضوء الذي ينير العالم من حولها، وتسقط في فضاء من العتمة قاس، لا رحمة فيه ولا مناص منه أو فرارا، لكأنه الزنزانة التي دفنت فيها مرايا حياتها المقبلة. تطرح نوف بنت محمد ماتطرح بصدق بأمآنة، بهدوء، كأنها تريد أن تسلّط الضوء، ان تلفت الانظار، وان تدق جرس الانذار، لعل هناك من يسمع ولعل هناك من يسعى الى شيء من التغيير او التطوير، يقوم نصها، على السرد فقط، الرد الخالي من الحوار الذي يسهم في إعطاء النص شيئا من العذوبة والليونة، إلاّ ان ذلك لم يؤثر كثيرا على جماليته وعلى هضمه وعلى صعوده الدرامي وتناميه الجميل. وإذا صوّر ( قاسم امين) المرأة مظلومة ومحتقرة، فإن نوف تجاوزت هذه الصورة عبر رفضها لها، المترافق مع العمل على ان تحقق الانثى شخصيتها المساوية للرجل في الشكل والمضمون. انها قاصّة متمرّدة، تعرف ماذا ترفض، وتعرف ماهو الدليل وتسير في هذا السياق، بحثا عن كينونة الانثى التي تريد. صوّرت القمع الواقع على المرأة والظلم الذي يضيّق حريتها منتصرة للإرادة الانثوية التي تريد ان تحقق انسانيتها بشكل كامل، وان تفرض وجودها الفاعل على حركة المجتمع. تعرف كيف تستخرج الكلام من العبارات الشائعة، بما يشبه التناص كقولها: ” حين افترقا كان اللقاء ثاثهما ” والقول المعروف ” ما اجتمع رجل وامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما ” وتقول ” من شب على ذنب شاب عليه ” والقول المعروف ” من شب على شيء شاب عليه ” وتقول ( كان دوما يرفض أن يقدم لها الطاعة على طبق من برّ ) والقول المتدوال على طبق من فضه او من ذهب، وتستمر في اللعب على الكلام بالقول ” غفلة عشاء” وهي ” حفلة عشاء” وتقول كان ” آيلا للظلام ” والقول المعروف ” آيلا للسقوط ” نصوص نوف بنت محمد تنهل من بئر السخرية المرّة، بحرارة المشتاقة إلى خلاصها الموعود، والمتأهبة لمعانقة الحلم الذي يتفتح على يديها، وكأنه الورد الذي يولد اشراقه الساطع. قاصة آتية من دفء الخيال المنصهر بجبلة الواقع المأزوم انصهار الماء في التربة، لاعطائها شيئا من الخصوبة والجمال. نصوص تقرأ بيسر وسهولة لا ملل، يعتريك ولا سأم، بل رغبة في المتابعة للوصول إلى النهايات التي لا تبالغ في تأزمها، وكأنها تريد للواقع ان يكون أكثر دفئاً وأكثر أنسانية. لامع الحر مجلة الشراع August 7, 2010 |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 6 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 6 | |
|
|
|