من الحبر تعلّمت حبك
قطرة واحدة تركض طويلاً على البياض
من العود تعلمت حبك
صرت وتراً وتركت عاصفتك تعزفني
من النوارس تعلّمت حبك
تعيد كتابة الأفق بأجنحة الرحيل خلف الضوء
من الأطفال والمجانين تعلّمت حبك
اللغة مرآة القلب في عرية المطلق
من النملة تعلّمت حبك
حبة قمح أسطورية حتى الرمق الأخير تلاحقها
من العصفور الدوري تعلّمت حبك
سعيدة بشجرتك
وسعيدة بشهية التحليق لست عصفوراً في اليد!
هاهي حروفي تجنّ
داخل أقفاص الواقع اليومي
المتورم تفاهة وصدأ تحت ذباب الثرثرة
هاهي حروفي تجنّ
وتضرب رأسها بالقضبان حتى النزف
آه كيف أروّض روحي الأثيرية
في أبدية الخمول؟ وأسدّ مساماتي العاشقة
بالغبار المتراكم على الوجوه حولي والشفاه
كيف أعلّم شهيقي وزفيري الرتابة والطاعة
وحرفة الأنتماء إلى الأطلال بدل الأفق ؟
آه كيف تستقر أعماقي القلقة كالزئبق
في أوعية الركود المستنقعية
لدورة دموية لم تدرْ منذ عصور؟
وكيف أحيا إذا لم أحبك
وأشاركك سرقة النار وحب الأسرار؟
ماالذي تفعله ذكراك لتصير لؤلؤة سوداء
تتدلى من عنقي إلى الأبد ؟
ماالذي يفعله الجبع
راكضاً بالحبر الأبيض على جناحيه
فوق دفتر الغابات والضباب
وأنا أهرول في قارّات ليست لي
وأنادي حبيباً ليس لي ؟
وماالذي أفعله بجثث الحروف
إذا لم أحبك ؟ كيف تدّب الروح
في اللغة وأشتعل بالحب المستحيل
لملايين نساء وطني الصامتات مقطوعات الحناجر؟
وكيف أطلق سراح صرختهن
إذا لم أختر حبك وأعيشه وأموته
وأسبحه داخل محبرتي هائمه على وجهك
وجهك اللامنسي بحثاً عن وجهي الحقيقي ؟
يظل القلم يقتحم يدي عنوه
ويجرّها إلى متاهة الورقة لأكتبك وأتنهدك
وأعيد السلالم المعدنية المتحركة للزمن إلى الوراء
وأرسمك داخل تلك اللحظة اللامنسية
وأنت تهمس لي ( أحبك)
تقولها خلسة عن نفسك وبحدّة
مثل طعنة خنجر سريعة في الظلام
وجسدك قارّة
الداخل إليها مفقود والخارج أيضاً !
وعيناك شروق الليل برق الأمطار الحارّة
أذكرك أنتهدك أستعيدك وأنا أنحني على أوراقي
كساحرة تستحضر وجه حبيبها في مرآة
وأكتبك بجموح القلب إلى المستحيل
وحين ترف بأهدابك على الورقة وتتنفس حياً
أقفز إليك داخل الدفتر
لنركض معاً هاربين بين السطور!
18/11/ 1988