13-10-2005, 01:05 | #16 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. . الأخ راكان.. الاخت عنود.. الاخت المهرة.. لنا لقاءات أخر هنا إن شاء الله.. . . |
13-10-2005, 01:12 | #17 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. . ويزعمون انه مات مسموما مقدمه من تركيا بعد أن عشقته ابنة القيصر لجماله، والغريب المتناقض أن المصادر العربية القديمة حين تتحدث عن هذه الواقعة لا تنسى أيضا أن تقول لنا أن زوجة الشاعر فركته (كرهته) ثم مالت إلى شاعر وفارس آخر هو علقمة بن عبدة التميمي الذي لقب لاحقا بالفحل لأنه أغوى زوجة امرئ القيس، وزعموا أن امرأ القيس سأل صاحبة له عن سبب كره النساء له، وألح عليها في السؤال!! فقالت له فيما قالت: إنك ثقيل الصدر، خفيف العجز، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، وتفوح منك رائحة كلب، ويقول الرواة أن لذلك سببا، فقد أرضعته في صغره كلبه. ولا شك أنهم يبالغون، فرائحة الكلب لا تبقى فيمن ترضعه كلبه، ولعل الأقرب أنه كان مصابا بمرض جلدي أورثه هذه العلة الكريهة، ولكن مع هذا كله عشقته ابنة القيصر،والحب أعمى، ولا أنف له أيضا كما يبدو مع ابنة القيصرالتي احتالت حتى أوصلت نفسها إليه، فغار القيصر وغضب على الملك الضليل، وأهداه قميصا مسموما قتله حين عاد، فلم يحصّل من الغنيمة حتى الإياب، وكان سيرضى بها بلا شك، وكان قد ذهب إليه طالب ملك أو طالب موت، فنال الثانية ولم ينل الاولى:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة=كفاني ولم اطلب، قليل من المال ولكنما اسعـى لمجـد مؤثـل=وقد يدرك المجد المؤثل امثالي بقيت هذه كما بقيت لنا أبياته المشهورة مغادرا إلى هناك:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه=وأيقـن انـا لا حقـان بقيصـرا فقلت لـه لا تبـك عينـك إنمـا=نحاول ملكـا أو نمـوت فنعـذرا واعتقد أيضا أن امرأ القيس كان يكذب في معلقته، وفي قصصه الطويلة مع فاطم وعنيزة وأم الحويرث وأم الرباب وصويحباتهن، ولعله كان يعبر عن تناقض، أو هو شعور العاجز عن الشيء حين يصف ما يتمناه وما عجز عن الوصول إليه بصيغة المبالغة في الوصول، فقد كان بغيضا إلى النساء مع وسامته، فاختار التاريخ أن يخلده بمعلقته التي فاق فيها عمر بن أبى ربيعه واصفا تعلق النساء به، وافرط شراح المعلقة في الشرح حتى لنخال أنفسنا في بعض شروحها أننا أمام صورة قديمة من صور الأدب الإباحي المكشوف بين الشاعر وصويحباته، قرأت لأحد هؤلاء الشراح قديما تعليق على هذين البيتين ضمن شرح المعلقة:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع=فألهيتها عن ذي تمائـم محـول إذا ما بكى من خلفها انصرفت له=بشق وتحتي شقهـا لـم يحـول فكتب رحمه الله: وفي هذا البيت (يقصد الثاني) صورة فاتنة من صور الجماع، وكنتُ حينها في بداية مراهقتي فلم افهم ما الذي يقصده بالصورة الفاتنة هنا، اين الفتنة بين شبق رجل، ولهو امرأة، وبكاء طفل؟!!، لاحقا تعلمت قراءة النصوص ضمن زمانها ومكانها الذي وقعت فيه الحوادث، وليس ضمن زمني ومكاني، لكنني أبدا لم اشعر أن الصورة فاتنة. كان امرؤ القيس الذي نقله لنا التاريخ الأدبي، صورة حية (للجنتلمان) البدوي، في فروسيته، وفي تطلعه للمجد، وفي كذبه ايضا. . . |
05-12-2005, 11:02 | #18 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. الشاعر ابو العتاهية.. هل كان ملحدا دعوى الالحاد والمروق عن الدين من اكثر الدعاوى لصوقا بالفلاسفة والادباء لاسباب مختلفة، تصح احيانا ويشوبها شيء من الغموض والحسد غالبا، وليس هنا مجال التفصيل في مدى مصداقية مثل هذه الدعاوى التي طالت عددا من الفلاسفة المسلمين كإبن سينا والفارابي والنصير الطوسي، وطالت ايضا عددا من الادباء كبشار بن برد وابي نواس وابي العلاء المعري، بل ولم ينج منها ابو الطيب المتنبي شاعر العربية الكبير، وكان فيمن شملتهم هذه الدعوى شاعر الزهد المعروف ابو العتاهية القاسم بن سويد بن كيسان (130-210هـ) الذي عاش في العصر الذي اسماه مؤرخوا الادب العربي بالعصر العباسي الاول، وهو عصر امتاز بتمازج الحضارات بين فارسية ويونانية وهندية وعربية فشكلت في مجموعها اضافة الى مؤثرات اخرى كثيرة ماعرف لاحقا بإسم الحضارة الاسلامية، كما امتاز هذا العصر بالصراعات الفكرية العنيفة بين المذاهب المختلفة التي بدأ تدوينها فيه فكثر المتكلمون والمجادلون عن هذه المذاهب اضافة الى المبتدعة والمجددين دينيا وادبيا وعلميا، فهو اذن عصر صراع وتمازج شغلت بهما بغداد حاضرة الخلافة الاسلامية في ذلك الوقت حيث عاش ابو العتاهية اخصب فترات حياته واكثرها تأثيرا في فنه وادبه. وكأي شاعر كبير وجهت للرجل في حياته وبعد مماته جملة من التهم المختلفة التي تناسب ظروف العصر الذي عاش فيه، ولعل اشد هذه التهم قسوة وايلاما هو مارماه به المشككون من تهم استهدفت عقيدته الدينية، وهي تهم بنيت على ملاحظات من حياته، واقوال صدرت عنه اشارت اليها مراجع الشاعرة المختلفة دون تحقيق او تعليق سواءا بالتصديق او التكذيب، ويمكن ايجازها في النقولات التالية :- - " كان حر التفكير وكان اهل عصره ينسبونه القول بمذهب الفلاسفة ممن لا يؤمن بالبعث ويحتجون بأن شعره إنما هو في ذكر الموت والفناء دون النشور والمعاد". - " كان يذهب الى ان المعارف واقعة بقدر الفكر والبحث والاستدلال طباعا ويقول بالوعيد وتحريم المكاسب ويتشيع بمذهب الزيدية والبترية". - " كان مذهبه القول بالتوحيد وأن الله خلق جوهرين متضادين لا من شيء ثم انه بنى العالم هذه البنية منهما وان العالم حديث التعيين والصفة لا محدث له الا الله وكان يزعم ان الله سيرد كل شيء الى الجوهرين المتضادين قبل ان تفنى الاعيان". - " كان ابو العتاهية مذبذبا في مذهبه يعتقد شيئا فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده اياه واخذ غيره". وعبارات اخرى قيلت عنه ولم يقلها، يجمع بينها التشكيك في عقيدة الشاعر، وكنت اعجب اشد العجب لمثل هذه العبارات التي يتصدر بعضها مقدمة الديوان الذي جمعت فيه زهدياته، ويكذبها الديوان نفسه بما احتواه من شعر يتناقض مع المقولات السابقة. فأما التشكيك في ايمانه بالبعث والاحتجاج بدعوى ان شعره اختص بذكر الموت دون النشور والمعاد فيرده قوله:
لعمرك ما عين المـوت فـي عمـى=وما عقل ذي عقل عن البعث في ريب وما زالـت الدنيـا تـرى ظاهـرا=لها شاهدا منهـا يـدل علـى غيـب وقوله:
امامك يا نومان دار سعـادة=يدوم البقا فيهـا ودار شقـاء خلقت لإحدى الغايتين فلا تنم=وكن بين خوف منهما ورجاء وذكر البعث والنشور والبرزخ والجنة والنار في شعره اكثر من ان نحصيه، وهو في مجموعه يرد ما اتهم به من انكار للبعث وما تبع هذا الاتهام من تشكيك في العقيدة. اما تشيعه بمذهب الزيدية والبترية الغالية فتهمة يردها عنه كل من عرف شيئا عن اصول هذين المذهبين في مبحث الامامة خاصة ثم قرأ قوله:
بل اين اهل التقى والانبياء ومن=جاءت بفضلهم الايات والسور اعدد ابابكر الصديـق اولهـم=وناد من بعد في الفضل ياعمر وعد من بعد عثمان ابا حسـن=فإن فضلهما يـروى ويدكـر وحياة ابي العتاهية في بلاط المهدي والرشيد تنفي عنه تهمة الزندقة والالحاد او المجاهرة بذلك على اقل تقدير، لما عرف عن هذين الخليفتين من شدة في معاملة الزنادقة ودعاة المذاهب الباطنية، ومقتل الشاعرين بشار بن برد وصالح بن عبدالقدوس لاتهامهما بالزندقة في زمن المهدي شاهد على مانقول، والعودة الى شعره قبل هذا كله تنفي عنه هذه التهمة فهو خال من الدعوات المذهبية، والهرطقات بكل صورها واشكالها فقد وقف الرجل الجزء الاكبر من شعره على الدعوة الى الزهد ومكارم الاخلاق حتى اضحت هذه الدعوة انموذجا للشعر الدينى يحتذى به في الادب العربي كله. اما الحديث عن الجوهرين المتضادين اللذين آمن بهما الشاعر فيما يزعم الزاعمون مستشهدين بقوله:
لكل انسـان طبيعتـان=خير وشر هما ضدان الخير والشر بها ازواج=لـذا نتـاج وذا نتـاج فيرده امكان تأوبل البيتين دون عسر ومشقه، فالشاعر يقول ان الخير والشر طبيعتان مركبتان في النفوس الانسانية، وانهما ازواج متقابلة كالسالب والموجب وان صنائع الخير تنتج الخير، وصنائع الشر تنتج الشر، وليس في رأيه ما يخالف المعروف من طبائع النفس الانسانية، والامر لا يحتاج الى تعسف اولئك الذين ردوا اصول البيتين الى جذور مانوية، زاعمين ان الشاعر يشير الى الهي النور والظلمة عند المذاهب المانوية. اما التذبذب بين المذاهب الدينية فتهمة لا دليل عليها من حياة الشاعر او من شعره، فهو اتهام بلا برهان يعول عليه للتشكيك في عقيدة شاعر كأبي العتاهية، والاصح ان يقال عنه انه كان اقرب الى فهم عامة الناس في موضوع العقيدة، فلم يكن من علماء الدين المبرزين او المتكلمين الجدلين عن وعي ومعرفة عميقة او اولئك الذين تمرسوا في فهم العقائد الدينية ودلالاتها حبا في الجدل ورغبة في جلب الانصار والاعوان وحسبك دلالة على جهله بهذه العقائد مناقشاته مع ثمامة بن اشرس وبشر المريسي فقد افحماه واسكتاه بما لا يحسن نقله هنا، ولهذا الجهل بالعقائد الدينية شواهد من شعره تتمثل في مثل قوله:
شهدنا لك اللهم انك لست محدثا=ولكنك المولى ولست بمجحـود وانك معروف ولست بموصوف=وانك موجود ولسـت بمحـدود وانك رب لا تزال ولـم تـزل=قريبا بعيدا غائبا غيـر مفقـود فالله سبحانه لا يوصف بأنه غير موصوف فقد وصف الله نفسه بما يليق بعظمته وجلاله في اكثر من اية في كتابه الكريم، ولكن جهل ابي العتاهية ورغبته في التعالم اورده هذا المورد السقيم، ومثلها قوله:
إن المليك رآك احسن خلقه=ورأى جمالك فحذا بقدرة نفسه =حور الجنان على مثالك فالله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ولا يحتاج الى مثال يحتذيه، ولكنه خيال شاعر قد شطح فكان هذا التجاوز السخيف، غير ان مثل هذه الابيات قليلة جدا في ديوانه ولقد قال ابو العتاهيه:
من حقق الايمان في قلبه=اوشك ما يظهر تحقيقه
ولا نعلم تحقيقا ان كان الرجل قد حقق الايمان في قلبه ام لا فذلك في علم الله وحده لكن سيرته لم تكن بأي حال من الاحوال سيرة الملحد الزنديق، او المتشكك في دينه، بل كان على ما يروى من شعرة مذكرا بالله داعيا الى مكارم الاخلاق وحسبنا منه هذه الدعوة دونما حاجة الى تشكيك يفسد الحقيقة ولا يأتي باليقين. . . . |
19-02-2006, 09:58 | #19 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. . ذاك أبو مرة أو الشيطان كما اسماه العرب والشطن هو الابتعاد والاغتراب، وهو ابليس كما سماه القرآن لإبلاسه من رحمه الله ويأسه منها، نقرأ في الكتاب الكريم انه ذميم وأنه مدحور وانه غادر، وقد آمنا بالله ورسوله وكتابه، لكن…أي قبح هو؟ وأي ذمامة هي؟!!! أهو قبح مبنى ام قبح معنى أو كلاهما معا؟!! لا ندري،….. لكننا معشر البشر نعلم ان الغواية كانت وظيفة الشيطان الاول، ثم مازالت به وبعده يتوارثها الابناء والاحفاد، كما نعلم ان الجمال هو رسول الغواية الاول، ولا شك في حاجة موظف غوايه إلى مسحة جمال.. و سعدي الشيرازي إمام من ائمة الشعر والارشاد في الادب الفارسي، واستاذ من مدرسة العرفان في الشعر الصوفي، نشأ بشيراز، وكان مولده في اواخر القرن الثاني عشر للميلاد، ومن كتبه المعروفة البستان، والجلستان أي روضة الورد، وكلاهما في طرائف الخواطر والمواعظ، ويعتقد شاعرنا الكبير ان الشيطان جميل او هكذا رآه كما زعم، وان البشر انتقموا منه بتشويهم لجماله، او بتعبير الشيطان: سلبتهم السماء فسلبوني الجمال…..فهل كان صادقا هذه المرة؟!! الله اعلم، لكن لنقرأ قصته مع السعدي الشيرازي: . . رأيت الشيطان في حلم، فيا عجبا لما رأيت! رأيته على غير ما وهِمت من صورته الشنعاء التي تخيف من ينظر إليها: قامة كفرع البانه، عينان كأعين الحور، طلعة كأنها تضيء بأشعة النعيم، قاربته وسألت: أحقٌ انت الشيطانُ المريد؟ أحق ذاك ولا أرى ملكاً له جمال محياك، ولا عين قد نظرت الى شبيه سيماك؟ ما بال أبناء آدم يتخذونك لهم ضحكة فيما يصورونك؟ وفي وسعك ان تجلو لهم وجها كصفحة البدر، ونظرة تتهلل ببهجة الرضوان، وإبتسامة تشرق بالنعيم! اولئك الرسامون يبغّضونك الى العين، وحمّامات الانس تكشفك لنا في صورة تنقبض لها القلوب! ويقولون لي أنك كاليل البهيم، وما ارى امامي الا الصباح المنير. سألت وتسمّعت فتحرك الحلم الساحر، وترفع له صوت فخور ولاحت على طلعته كبرياء، وقال: لا تصدق يا صاح أنه مثالي ذاك الذي رأيت فيما يمثلون فإن الريشة التي ترسمني تجري بها يدُ عدو حسود سلبتهم السماء فسلبوني الجمال! . . نعوذ بالله من شطن بعد وطن، ومن إبلاس بعد امل، ومن غواية بعد رشد. . . |
27-03-2006, 17:28 | #20 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. . أنا والله أصلح للمعالي............وأمشي مشيتي وأتيه تيها وأمكن صاحبي من صحن خدي..وأعطي قبلتي من يشتهيها والبيتان ينسبان لولادة بنت المستكفي من خلفاء بني أمية وفي الأندلس.. وكثير ما عمد إليه المؤرخون لتصوير حال الانحلال التي وصلت إليها دولة بني أمية في الأندلس أواخر أيامها حتى لتصرح ابنة الخليفة بما سبق من أبيات. لكن في البيتين ظرف أندلسي يليق بابنة الخليفة في البيت الأول، ويليق بأنثى غاوية مغوية في البيت الثاني.. جاء في تاريخ ولادة: زهرة من زهرات البيت الأموي، وابنة أحد الخلفاء الأمويين، وهي "ولادة بنت المستكفي"، وكانت شاعرة أديبة، جميلة الشكل، شريفة الأصل، عريقة الحسب، وقد وصفت بأنها "نادرة زمانها ظرفًا وحسنًا وأدبًا"، وأثنى عليها كثير من معاصريها من الأدباء والشعراء، وأجمعوا على فصاحتها ونباهتها، وسرعة بديهتها، وموهبتها الشعرية الفائقة، فقال عنها "الصنبي": "إنها أديبة شاعرة جزلة القول، مطبوعة الشعر، تساجل الأدباء، وتفوق البرعاء"، وبعد سقوط الخلافة الأموية في "الأندلس" فتحت ولادة أبواب قصرها للأدباء والشعراء والعظماء، وجعلت منه منتديًا أدبيًا، وصالونًا ثقافيًا، فتهافت على ندوتها الشعراء والوزراء مأخوذين ببيانها الساحر وعلمها الغزير. (عن: http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle18.shtml) وإن لم تصلح مثل هذه السيدة للمعالي فمن ذا الذي يصلح.. ولها أن تمشي مشيتها وتتيه تيها.. وللدل (والدلع) حكمهما حين تكون ولادة في طرف وابن زيدون ونخبة من عظماء عصره من المولعين بولادة في طرف آخر، ولا أراها قالت: وأمكن صاحبي من صحن خدي....واعطي قبلتي من يشتهيها إلا لتشعل مزيد نار في قلوب هؤلاء المتصارعين على كلمة من ولادة فما بالك بقبلة يشتهونها، وهم يشتهونها وهي ستعطي لكن وفق شروطها هي، ووفق دلها وجمالها وشعورها الخالد بأنها الأنثى المشتهاة من الجميع، وأحيانا يكون في التمنع مزيد غواية، لكن مع ولادة أختلف الأمر فالغواية اكبر بالتلميح بالبذل والتعالي بالمعالي. كتبت ذات مساء: أننا يجب أن ننظر للتاريخ لا بعيوننا فقط بل بعيون من عاشوه وعايشوه، لكن الأمر عند النظر في تاريخ الذوق مختلف: أحيانا نحتاج أن نأخذ الأدب كما نشعر به نحن بغض النظر عن ظروفه التاريخية ودلالته على سقوط دولة وقيام أخرى. في البيتين.. لننظر إلى العاشقة حين تتيه وتتعالى.. ولنتأمل حال العاشقين حين يقال لهم نعطي ونمنع لكن باختيارنا ولمن نشاء له أن يشاء. . . وفي الحب فتنة وغواية، وجمال واشتهاء.. وفيه من المتناقضات ما يليق بأرقى ما في الإنسان أي عقله.. وما يتماشي مع أهون ما فيه وهو غرائزه. . . |
08-08-2006, 11:35 | #21 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
قصيدة الشاعر جاسم الصحيح: عنترة في الاسر.... من اجمل القصائد في شعرنا السعودي المعاصر، لحسن صياغتها، وجمال صورها، وقوة الخيال فيها، ولما حوته من اسقاطات كثيرة على واقعنا المعاصر ..اعيدها ثم سأتلوها بقراءتي الخاصة، وعسى أن تليق القراءة بجمال القصيدة . . سيفٌ هُنالِكَ شَاحِبُ اللَمَعَانِ ، مُنْكَسِرُ الصَلِيلْ ومُطَهَّمٌ ذَبُلَتْ على شَدْقَيهِ رائحةُ الصهيلْ وقصيدةٌ مطعونةٌ.. بَقِيَتْ على الرمضاءِ ، ينزفُ من جِرَاحَتِها العويلْ والفارسُ ( العَبْسيُّ ) مغلولُ الملامحِ في انهيار المستحيلْ وأنا هنا أَتوَجَّسُ التاريخَ وَهْوَ مُلَبَّدُ الأحداثِ بالزيفِ الدَخِيلْ يتمرَّدُ الدَمُ العربيُّ فِيَّ وتصرخُ البيداءُ غاضبةً وتنتفضُ النخيلْ: فَلْيَسْقُطِ التاريخُ .. تسقط كلُّ أقلامِ الرُوَاةْ وَلْتَسْقُطِ الكلماتُ.. حين تَلُوكُها بالزيفِ ألسنةُ الحياةْ وَاضَيْعَةَ العُظَماءِ في قَلَمِ المُؤَرِّخِ حينما الأقلامُ تُصْبحُ بعضَ ألعابِ الحُوَاةْ !! أَ ( أبا الفوارسِ ) .. من صميمِ الوَهْمِ جِئْتُكَ حَامِلاً مجدَ البداوةِ والمضاربِ والقفارْ مُتَأَبِّطاً أُسْطُورَتَيْنِ رَضَعْتُ من ثَدْيَيْهِما زَهْوي وعادةَ أٌمَّتي في الإنتصارْ فَكَفَرْتُ ( بِالرَاوي ) إذِ اخْتَتَمَ ( الروايةَ ) بانكساركَ .. ياعَدُوَّ الإنكسارْ أَ ( أبا الفوارسِ ) .. دَعْ جناحَ الوَهْمِ يكبرُ دَعْهُ يأخذُني وراء النور .. إنَّ الليلَ أرحمُ بالجريحِ من النهارْ دعني أُكابرُ بالخيالِ فما تبقَّى من حقيقتيَ القديمةِ غيرَ ثورةِ ( شَهْرَيَارْ ) سَأَتِيهُ في قَصَصِ الأوائلِ أربطُ الأولى وإِخْوَتَهَا بخَيْطٍ من دمي حتى أصوغَ بها شِعَارْ وأروحُ أغرقُ فيهِ .. مَحْفُوفاً بسِرْبِ مَوَاجِدِي .. مُتَغَلْغِلاً في ( الحَالَةِ ) النوراءِ تَكْنِسُنِي بوَهْجِ صبابتي حتّى يَشِفَّ بي الستارْ من ذروةِ الأشواقِ في جَنْبَيَّ ينطلقُ اخضرارُ الوَجْدِ في سَفَرٍ سَمَاوِيٍّ إلى أوجِ اليقينِ .. وينتهِي في مُقْلَتَيَّ الاخضرار لم يبقَ لِي غيرَ التصوّفِ يُجْهِضُ الصلصالَ من رَغَبَاتِيَ الحُبْلَى ويُطْلِقُنِي مَعَ الألغاز – في بستانِ حَيْرَتِها – هَزَارْ سأطيرُ أبعدَ من حدودِ مَشِيئَتِي في عُمْقِ داليةٍ تُحَرِّرُ دُرَّةَ الأرواحِ من سِجْنِ المَحَارْ تَعِبَتْ بحَمْلِ الصَحْوِ أجفانِي تُطِلُّ متى تُطِلُّ على مصائرَ قَدْ ( أَضَرَّ بها الجِمَامُ ) فلا تَحِنُّ إلى مَغَارْ أ (أبا الفوارسِ)..لم تَعُدْ خيلُ المقاديرِ العريقةِ في دمائيَ .. لم تَعُدْ تشقى بِمَرْبِطِها وترتجل التمرّدَ والنِفَارْ فالمورياتُ الحُلْمَ قَدْحاً في جلاميدِ الخرافةِ .. باتَ يُطْفِئُها الغُبَارْ أ ( أبا الفوارسِ ) .. من أقاصي البيدِ جِئْتُكَ حَامِلاً من نَبْتِها العَرَبيِّ ما سَحَقَتْهُ أقدامُ الرياحْ في أيِّ جُرْحٍ ألتقيكَ .. ونحنُ منذُ النبضةِ الأولى جراحٌ في جراحْ أنا أنتَ .. أنتَ أنا .. وندخلُ ساحةَ الجَدَلِ العقيمِ ونحنُ لم نبرحْ يُمَثِّلُنا ضميرُ الغائبِ المجهولِ في جُمَلِ الكراماتِ الفِصَاحْ وَطَنٌ بِأَكْمَلِهِ يُمثّلُهُ ضميرُ الغائبِ المجهولِ في جُمَلِ الكراماتِ الفِصَاحْ مازلتَ تُولَدُ كلَّ يومٍ نبضةً منذورةً لِلرِّقِّ تدخلُ عالمَ الآلامِ من ثُقْبٍ بجُدْرَانِ النُواحْ مازلتَ تصرخُ في قِماطِ الأسْرِ موشوماً بنيرانِ العُبُوديّاتِ في كَتِفَيْكَ .. في الصَّمْصَامِ .. في الأحلامِ حتَّى ، والصبابةِ والطِماحْ مازلتَ تكبرُ في مراعي القَهْرِ تحلمُ حين تحلمُ بالقطيعِ يظلُّ في مرآى عصاكَ وبالخيام تظلُّ ترتعُ في حِماكَ وبالحبيبةِ تُشعلُ البيداءَ أُغنيةً على شَفَتَيْ هواكَ.. وماتزالُ تُنَقِّبُ الصحراءَ عن شِيَمٍ تُحَرِّرُ من هَوَانِ اللَوْنِ جَوْهَرَكَ العزيزَ المُستباحْ عَبَثَاً تحاولُ نَاحِتاً من منجمِ الصحراءِ إِعصاراً لِتَكْنِسَ هامةَ الأسيادِ من زَهْوِ النطاحْ هُمْ فَرَّطُوا في الشمسِ إذْ بخلوا عليكَ بوَمْضَةٍ منها .. وشدُّوا الأُفْقَ بالأقواسِ خَشْيَةَ أنْ تطيرَ بلا جَنَاحْ هُمْ مَشَّطُوا حتَّى دِمَاءَكَ يبحثونَ هُنَاك عن جَذْر الفحولةِ .. عن فتيلِ الوجدِ.. عن قيثارةِ الإيمانِ.. عن نبعِ التّمرُّدِ والجِماحْ وسيتعبونَ .. فهذه الأسرارُ أَوَّلُ مَا تَسَلَّحَتِ الدماءُ بهِ وآخِرُ ما تبقَّى من سلاحْ وَتُطِلُّ أنتَ من الهضابِ المُشْرفَاتِ على هَزِيمَتِهمْ .. تحاولُ أنْ تَكِرَّ فيعثرُ الأِقْدامُ في إحساسِ رُوحِكَ بالكُسَاحْ حتّى إذا انْدَلَقَتْ على خَجَلٍ من الأفواهِ.. ( كُرَّ وأنتَ حُرٌّ ) .. مثلما اندلقتْ بأرحامِ الخَنَا ، نُطَفُ السِفَاحْ روَّيْتَ صَدْرَ الحُلْمِ من مُهَجِ العَدُوِّ وَعُدْتَ أكبرَ في حُسَامِك.. في كلامِكَ .. في غرامِكَ .. في الكفاحْ أَسَفِي عليكَ فلم تَعُدْ إلاَّ إلى القَدَر القديمِ.. تُحَرِّرُ الأغنامَ مِنْ سأَمِ المَرَاحْ مازلتَ ( يا ابنَ زَبِيبَةٍ ) ما زلتَ .. نَادِلَ هذهِ الحاناتِ في سِلْمِ القبيلةِ .. كلّما غُلَّتْ رُؤُوسُ القومِ كُنْتَ لها السَرَاحْ مازلتَ في قَفَصِ اتِّهامِكَ .. ثورةً تستنفرُ العِبْدانَ .. تُنْبئُهُمْ بأنَّ نصيبَهُمْ في الأفقِ أَبعَدُ من حدودِ العَيْنِ شاخِصةً .. وأنَّ الشِعْرَ أكبرُ من معاني اللهوِ .. إنَّ الشعرَ يَبْرَأُ في حقيقتهِ مِن الشعرِ المُبَاحْ مازلتَ كَلْبَ الحَيِّ.. لكنْ لم تَعُدْ تفتضُّ صَمْتَ الليل في وجهِ الضيافةِ بالنُبَاحْ (خمسونَ عاماً ) .. تَائِهٌ في زحمةِ الألقابِ تشتبكُ الهمومُ على فُؤادِكَ ، والمطامِحُ والرِماحْ وتُهرْولُ الغاراتُ من كَفَّيْكَ .. من شَدقَيْكَ .. من عَيْنيْكَ.. أحصنةً .. قَصائدَ .. أنجماً.. أَوْدَعْتَهُنَّ أمانةً عند الصَباحْ لكنْ إلى أينَ انْتَهَيْتَ وأنتَ تجترحُ النِضالَ لِيَمْلُكَ الإنسانُ جيدَه خمسونَ عاماً والصهيلُ يَمُورُ في وَهَجِ الصَّليلِ فترتوي بهِما القصيده وتروحُ تعزِفُها بسَيْفِكَ غضبةً مِلْءَ الفيافِي تنفثُ الحُرَقَ الوَقيدَه كُنْتَ الصَّبابةَ في ( بني عَبْسٍ ) لَيَالِيَ أدمنُوا السُلْوانَ كنتَ المجدَ لو عرفوا طريقَ المجدِ في إيمانكَ العربيِّ.. كنتَ الصوتَ .. لكنْ صَادَرَتْكَ الريحُ من أفقِ الإذاعة والجريده وَوَرَاءَ وَجْهِكَ ألْفُ خَيْطٍ من ضمائِرِهِمْ يُحَاكُ مكيدةً تتلُو مكيده حتَّى إذا اكتملَ ( الكمينُ ) وضَاجَعَ ( الغبراءَ ) ( داحِسُ ) فوق أشلاءِ العقيدَه طَعَنُوكَ بالبَوْحِ الصَّـفيقِ فغاصَ رُمْحُ الغدر فيكَ إلى أنِ اخْتَرَقَ ( القصيده ) يَا مَنْ وَهَبْتَ الحرفَ نبضَكَ إنَّهم قطعوا وَريدَه يا مَنْ وهبتَ السيفَ بَأْسَكَ إنَّهمْ خَانُوا حَدِيدَه خَانُوكَ .. خانوا آخِرَ الشُرُفَاتِ في آفَاقِ ذاكِرةِ الفِدَاءْ وَلِواؤُكَ انْتَهَكُوهُ .. مصبوغاً بألْفِ شَهِيَّةٍ سوداءَ تُحْسِنُ كيفَ تنتهكُ اللواءْ واستأصلُوا من ذكْرَيَاتِكَ كلَّ خاطرةٍ تُحاولُ أَنْ تَشُقَّ لها فضاءْ والآن تَمَّ المشهدُ ( الصًّـوفـيُّ ) وانْسَدَلَتْ بــ ( وَحْدَتِهمْ ) سِتَارَتُهُ .. فَيَا ( حَلاَّجُ ) حَانَ الكَشْفُ إنَّ العشقَ قد بَلَغَ ( الفَنَاءْ ) وَتَجَلَّتِ ( الغاياتُ ) يا ( أهلَ الطريقِ ) فلم يَعُدْ لِلُّغْزِ ذوقٌ بَعْدما انكشفَ الغطاءْ أ ( أبا الفوارسِ ) .. هذهِ (ذبيانُ) مِمَّا تَيَّمَتْ ( عَبْساً ) توَحَّدَتِ الدماءُ مع الدماءْ أمَّا ( عُبَيْلَةُ ).. آهِ من تلك العُبَيْلَةِ لم تَزَلْ في سَبْيهَا الأزَليِّ يصهرُها عذابُ البُعْدِ في لهبِ الحنينِ إلى ( الجَلاَءْ ) وخِبَاؤُها .. نارُ ( الكَليمِ ) هُنَاكَ آنَسَها الذينَ اسْتَلْهَمُوا مِنْكَ الإباءْ شَقُّوا إليها عَتْمَةَ ( الوادي ) فَنُودُوا من أقاصي ( النار ) في ذاك الخِبَاءْ : يا ( سالِكُونَ ) .. تَوَغَّلُوا في الوجدِ أعْمَقَ تَجْتَلُوا المحبوبَ .. إنَّ العُمقَ أرفعُ قِمَّةٍ للإجْتِلاَءْ . . وهنا .... القراءة: . . . انت مع جاسم الصحيح، إذن انت مع شاعر، وأنت في رحاب مفكر، وحين تجتمع الشاعرية الموهوبة، والثقافة العالية، والقدرة على التفكير السليم المركز، فأنت في حضرة شاعر رائع، موهبة ترتقي بالشعر الى مكانه اللائق به بين فنون الادب، وهي مكانة رفيعة، لكنها ارفع مع الفكر الواضح والثقافة الموحية، وفكر قادر على الفهم والاستبطان والتحليل يتحول معها الشاعر إلى شبه نبي، ولم يكن ربط العرب بين النبوة والشعر وليد خيال محض، فللشاعر دعوة بالكلمات كما للنبي دعوة بالايات والمعجزات، و(إن من البيان لسحرا)، وما أكتبه هنا ليس تعريفا بالشاعر، ولا نقدا لقصيدته، إنما هو انطباع شخصي، هو (انا) كما فهمت هذه القصيدة، واحب لمن يقرأها ان يكون (هو) كما سيفهمها، وليكن دوري الاشارة الى المواقع التي احببتها (انا)، ومن شأن شاعر كجاسم الصحيح ان يثير في نفس كل قارئ (أناه)، ليجد كل قارئ بعد ذلك شيئا من نفسه في روح الشاعر، والعكس مقبول، بل هو مأمول، نعم، انت هنا في حضرة شاعر، وفي حضور مفكر، شاعر ملك بين يديه الموروث الشعري، فأحسن صياغته وعرضه، لانه لم يكن ناقما فخرب، بل كان محبا فجدد، شاعر بصير بأدواته، عليم بمواقع الجمال في فنه، فلا عجب إن أحسن استخدام الرمز، واجاد تفجير إيحاءات الاسطورة، وأنت هنا ايضا مع مفكر استطاع استلهام التاريخ، فكان مع أنباء الغيب لفهم وقائع الشهادة، ومع درس الشهادة لفك طلاسم الغيب، أهي بكائية للتاريخ؟ او هي دعوة للتأمل؟ أهي استنهاض للهمم؟ او هي نقد للذات العربية؟ او،،او،،،، او ما شئت من هذه (الاوات) الكثيرة المتسائلة؟ هي كذلك، بل هي اكثر من ذلك، هي حديث الحرية، وحديث المستحيل، وحديث القهر، وحديث الفروسية، تلك الموؤدة التي سئلت، وحديث النفسية العربية عن ذاتها، بل هي مجموعة احاديث بعضها هو ما ذكرناه، وفي القصيدة اخبار متفرقة، اخبار عنترة العبسي وحصانه (الابجر) الذي قد اضر به الجمام، وصيحة (الاحرار) من بني عبس: (كر وانت حر)، مع إيحاء سيتردد مع القصة والتاريخ بصوت ابي الفوارس بين الشماتة والكبرياء: (العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلب والصر!!!)، واخبار شهريار المنتفخ بالإنكسار، ونوح شهرزاد تبكي المروءة العربية في نشيج متواصل يناجي الحرية، وهناك اخبار الحلاج المقتول على اعتاب المشاهد الصوفية، اعتاب الغيب المرتجى، والحاضر المشهود، والكشف عما كان، وما سيكون، وما لو كان فكيف سيكون، وفيها العشق، وفيها الفناء، وفيها بدايات الطريق ونهاياته ايضا، واخبار كثيرة اخرى جمعها الشاعر الفنان، أخبار لا رابط بينها إلا الشجى والشجن، والحقيقة والخيال، والماضي والآني والآتي، ونشوة الفرح ونعيق البؤس، فهي خيوط رفيعة تنتظم القصيدة بشفافية عذبة، وأحاسيس بالغة القوة والضعف والرحمة والقسوة تعصف بالقلب والعقل أيما عصف، فاقرأوها بتفكر وتمعن، إقرأوها مرة بعد مرة، وستحلقون مع الشعر الجميل؟ وستلتقون الفن الاصيل؟ وستشربون خمر الكلمات، وسينالكم من عبير الذوق رائحة زكية، وسترون بأم اعينكم: سيف هنالك شاحب اللمعان، منكسر الصليل ومطهم ذبلت على شفتيه رائحة الصهيل، وستتعرفون منذ البدايات على صورة من صور التاريخ: فليسقط التاريخ..تسقط كل اقلام الرواة ولتسقط الكلمات.. حين تلوكها بالزيف السنة الحياة واضيعة العظماء في قلم المؤرخ حينما الاقلام تصبح بعض العاب الحواة آه، كم كنت احب ان لو اتيح لي زمن اطول فأكتب اكثر واكثر عن صور الجمال والخيال في هذه المقطوعة الحية، أكتب عن لقاء الشعر والفكر في إهاب واحد، وفي اقنوم ساحر، أكتب عن العواطف والمشاعر التي اثارتها في نفسي هذه المقطوعة اليتيمة بين شعر كثير، وفن جم، وهذا اللحن الشجي المتعب بجلاله، والمطرب بجماله، لكنها كلمة على عجل، وعسى ان يكتب بعضكم معرفا بهذه القصيدة نقدا يتجاوز حدود انطباعاتي كقارئ وقدراتي كناقد، وليتكم تفعلون، ليتكم تضعون انفسكم في مواجهة هذه المرآة الانيقة، . |
07-09-2008, 14:54 | #22 |
كــاتـب
|
رد : مع شعراء الفصحى..
. . الأمل والحرية والشعر (الحرية والحق والجمال، والحرية تأخذ الأولوية، لأن الحق مرتبط بتحقيقها، والجمال نتيجة لتحققها) هذه هي بطاقة التعريف الأولى التي قدمها أمل دنقل (1940-1983م) لعبلة الرويني، زوجته التي قدمت عنه لاحقاً شهادة أخرى: (كان هدفه الأكبر ومطلبه الدائم هو الحرية.. إنها سمة وصراع دائم لتحقيقها، إنها كينونته الحقيقية التي ظل يبحث عنها، ويكسر كل شيء من أجلها، وهي أيضا الغد القادم، والغاية، والمنتهى.. إن الحرية هي المستقبل، قالها يوماً، كأنه لم يحققها بعد). وشهادة ثالثة نحتاجها في هذا المقال القصير: (إن الوظيفة أو المال أو البيت أو الثروة أو أي طموح مادي أو حتى معيشي لم يكن من شواغله، فهمه الوحيد، وطموحه الأكبر، أن يعيش لحظة الإيقاع النادرة بين نثر الحياة اليومية وتوتر الشعر.) فلم يكن الشاعر مؤمناً بالحرية فقط بل كان ضد كل ما من شأنه أن يشكل عائقاً يعرقل حريته في أن يعبر بالطريقة التي يحب. والحرية هي هَمُ المبدع الأكبر، لأنه يعلم أنه بلا حرية لا إبداع على الإطلاق. حريته في أن يقول ما يؤمن به، وحريته في أن يبشر بما آمن به، وحريته في أن يدافع عن هذا الإيمان أيضاً. ولا شك أن الحرية هي هم إنساني عام، لكن للشاعر قضية مختلفة وأكثر خصوصية لأنه مشغول أكثر من الآخرين بخيال فني وصورة شعرية ووحي ملهم يود نقله للآخرين ضمن موسيقى من الخارج أو الداخل وهو يطلب حريته إذ يمارس هذا كله. كتب أمل: أيها الشعرُ.. يا أيها الفرحُ المُختلَس.. . . . . . . . . . . . (كل ما كنتُ أكتب في هذه الصفحة الورقية صادرته العسس..) وهو اعتراض شعري على العسس في كل مكان، اعتراض تجاوز الورقة لاحقاً إلى حياة كاملة. وهمٌّ إنساني آخر يسمونه: لحظة التوتر.. لحظة التوتر الانفعالية الحاصلة من حدث ما، حدث يتفاوت الناس في التعامل معه: مع الموهوب تتحول إلى عمل ما قد يتطور إلى إنجاز، ومع غير الموهوب تضيع كأي فرصة أخرى من الفرص التي تبذلها الحياة للإنسان بين روحه وجسده. وأمل دنقل كان قناصاً رائعاً للحظات التوتر هذه، وكان بموهبته الكبيرة محولا لها إلى شعر. وفي هذا السياق علقت زوجته: (كان دائم الهروب من القصيدة، أو لعله دائم التوتر والهروب بها، مرة بالنزول إلى الشارع، ومرة بالشجار، ومرة بالاستماع إلى أغنية أو قراءة كتاب (يبدو هروباً ظاهرياً، لكنه نوع من الاشتغال بالقصيدة داخل أشياء أخرى). ولم يكن لافتاً للنظر أن أمل دنقل كان قارئاً متميزاً فذلك شديد الوضوح في كل ما كتبه من شعر، كان يقرأ في كل مكان، ويحاور كثيراً فيما قرأ، بل سعى أحياناً إلى كتابة بعض البحوث ليصل إلى قواسم مشتركة بين ما يقرأ في مجالات مختلفة، ولا شك أن لما قرأه انعكاساته المختلفة على شعره، لكن اللافت للنظر هو إيمانه الشديد بالعروبة واستعانته بالمورث العربي في كثير مما كتب رغم أنه عاش مرحلة الانشغال بالفرعونية محلياً، والانشغال بالتراث العالمي المغاير عربياً، لكنه فضل الحديث عن يتم أبي نواس وعن المتنبي في مصر، وعن كليب والزير واليمامة مسقطاً عبر هذه الشخصيات رؤيته الشعرية والإنسانية على ما يحدث في نفسه ومجتمعه، كما شاء أيضا أن يقف بجانب البسطاء والضعفاء من الناس لا ليبكي معهم أو ليبرر أخطاءهم فذلك ليس من مهام الشاعر الكبير، لكنه اختار وقفته تلك لسببين: أولهما أنه منهم، وثانيهما هو أن الشاعر ناقل إحساس بمحاكاته وتجربته وكان نصيب التجربة عند أمل أكبر من نصيب المحاكاة لأنه كان يعبر عن إحساسه وعن رغباته وعن آماله حين كان يصور بشاعريته الفذة حال مجتمعه وبيئته اللصيقة به. (في اليوم الأول الذي رآني فيه سألني وهو يحدق في وجهي بطريقة غريبة: - هل تخجلين من الحبوب المنتشرة في وجهك؟ وخجلت بالفعل، وارتبكت من السؤال المباغت حتى بادرني: - أنا أحب هذه الوجوه.) يكتبون كثيراً عن الصدق الفني في قصيدة ويغضون الطرف قليلا عن الصدق الإنساني، وأرى أن الصدق الفني يكون في أجمل صوره إن رافقه هذا الصدق الإنساني الذي عبر عنه أمل في عبارته: أنا أحب هذه الوجوه. ولعل هذا يشبه قول العرب: ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة. وأي مستأجرة تستطيع أن تقول: عم صباحاً أيها الصقر المجنح عم صباحا سنة تمضي، وأخرى سوف تأتي. فمتى يقبل موتي؟. قبل أن أصبح - مثل الصقرِ - صقراً مستباحاً؟! عم صباحاً أيها الشعر، عم صباحاً أيها الشاعر، عم صباحاً أيها الإنسان المشغول بالحرية والحق والجمال، عم صباحاً مفكراً ومتغنياً وشاعراً ومحباً في صدق وأمل. . . جريدة الجزيرة - الخميس 14 صفر 1429 العدد 12929 |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|