من خير الكلام


آخر 10 مشاركات
ياهيني كحل بين الارماش (الكاتـب : نمرالعتيبي - - الوقت: 15:36 - التاريخ: 21-06-2024)           »          هلا بالجميع (الكاتـب : دغيفل - - الوقت: 20:59 - التاريخ: 14-11-2023)           »          اصعب سؤال (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 14:50 - التاريخ: 26-06-2020)           »          وريثة الغيم (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 10:37 - التاريخ: 21-03-2020)           »          الظِل.......! (الكاتـب : كريم العفيدلي - - الوقت: 23:00 - التاريخ: 26-01-2020)           »          آفـآ وآلله يـآمـجـرآك (الكاتـب : ناعم العنزي - - الوقت: 10:12 - التاريخ: 23-01-2020)           »          ثـقـوب (الكاتـب : عائشة الثبيتي - - الوقت: 10:25 - التاريخ: 17-12-2019)           »          ~{عجباً لك تدللني}~ (الكاتـب : شيخه المرضي - - الوقت: 23:39 - التاريخ: 26-11-2019)           »          تاهت خطاويه (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 08:55 - التاريخ: 14-11-2019)           »          خزامك وشيحك (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 22:43 - التاريخ: 08-11-2019)


 
العودة   شعبيات > > أوزان وأشجان > قراءات نقدية
تحديث هذه الصفحة الصحراء نص عصي
 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-12-2007, 04:14   #1
عبدالرحمن العكيمي
كاتب وصحفي
 

الصحراء نص عصي

في البدء((في الصحراء العربية وجدت معنى لحياتي... رغم أنني ابن عاصمة الضباب)) لورانس العرب

الصحراء نص لغوي سهل التناول من جهة وبالغ التعقيد من جهة أخرى والإنسان العربي البدوي نشأ من رحم هذا النص ونمت أصابعه وتفرعت وترعرع حتى أصبحت كشجر الطلح أو أشد قسوة من الطلح غير انه لاينتصب كثيرا ولايبيت في بطون الأودية كمايفعل الطلح الذي لايأبه بجريان السيل حين يداهم الوادي ذات صباح أو ذات مساء فيمر هدير الوادي ويبقى الطلح قاسيا حتى تنجلي السحب. فالإنسان البدوي المسكون بالقلق وكأن الريح تحته ذكي بالفطرة يسكنه الحذر يترقب الغد المحمل بالخير رحال يخايل الوسم يتتبع شعث الجبال ومواقع القطر وهو كائن انعزالي حينا بسبب الظروف التي تفرض عليه ذلك وكائن اجتماعي بفعل قوانين القبيلة وسلطتها التي تقف أحيانا عائقا أمام انطلاقة الإنسان/ الشاعر. وهو كائن تطلعي مثقل بعدم الاستقرار والهدوء فحياة الصحراء ليست ترفا وارتياحا إنها حياة تطلع وترقب وحياة تحد وإصرار واثبات للذات وقبل هذا كله فضاء يشرع أبوابه للانطلاق. ان الصراع والجدل القائم بين المشهد البدوي والحياة المدنية والحقبة التي عاشها أبناء جزيرة العرب أفرزت تغييرا ثقافيا وفكريا وابداعيا فتطورت اللغة ونمت الأدوات لدى المبدع القادم من مشهد بدوي فالكثير من المبدعين في بلادنا يكتبون وهم يقعون تحت تأثير ثقافة صحراوية وذاكرة بدوية شعروا بها او لم يشعروا فأوجدوا شكلا من أشكال الابداع لدينا وحاكاهم البعض من المبدعين الذين لاينتمون أصلا الى ذلك المشهد ولم يتفاعلوا معه ولايبحثون عنه ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام هذا الشكل الإبداعي الذي ينطلق من سطوة حضور الصحراء العربية التي تفرض طقوسا لمتعاطي تفاصيلها كما أنهم ينطلقون من ذاكرة بدوية ومن رؤية مثقلة بالصحراء وتجلياتها وهذا موجود سواء في الشعر العامي او الشعر الفصيح وثمة شعراء طبعوا على ذائقة بدوية وعلى مخزون امتلأ من الأودية والشعاب ومن السهول والجبال والقفار ورائحة (الشيح والعاذر والزعتر والبعيثران والخزاما ورائحة حطب الارطى والغضا).
وهذا الشاعر الكبير محمد الثبيتي تظهر لغته الشعرية الغزيرة مثقلا بمصطلحات من رائحة الصحراء وبرؤية تنبع من هاجس الإنسان العربي حتى تلك التضاريس التي رسمتها الصحراء في قدمي الشاعر من
شقوق تجسد معاناة البدوي الذي يسير حافيا بين الجبال والدروب الوعرة يحولها الى لغة يطل منها الى ابداعه ورغم مضي سنوات العمر والانتقال الى حياة المدينة تبقى رائحة الرمل شاهدة ويبقى عبير الخزامى يتسلل فوق عباءة البدوي المسكون بالبداوة والبياض يقول الثبيتي:

وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
تهدهد العشق في مرعى شويهاتي
ويقول ايضا:
أنا حصان قديم فوق غرّته
توزع الشمس أنوار الصباحات
أنا حصان عصيّ لا يطوعه
بوح العناقيد أو عطر الهنيهات
أتيت أركض والصحراء تتبعني
وأحرف الرمل تجري بين خطواتي
ويمضي قائلا:
هذي الشقوق التي تختال في قدمي
قصائد ٌصاغها نبض المسافات-
فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي
ولا عبير الخزامي من عباءاتي

ويقول في تغريبة القوافل والمطر:

أدِرْ مهجة الصبح
واسفح على قلل القوم قهوتك المرةَ المستطابة
أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى
وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا
ثم هات الربابة
هات الربابة:
الأديمة زرقاء تكتظ بالدما
فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما
ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى
ويهمي على الصحراء غيثًا وأنجما

ان لغة الثبيتي مترعة برائحة الصحراء وامتدادها التي تسكن بداخل الشاعر رغم رحيله من حيزها وابتعاده عن فيافيها انها اللغة التي شكلت حضورها رغم أنف المدينة وغيبوبتها الطاغية. الصحراء/اللغة الجديدة التي لاتقف عند حدود معينة. ان البدوي منتج ومستهلك للصحراء/ النص وحداثي خلاق حين تقفز لغته ورؤيته وحين يتفاعل مع مفردات الصحراء لكنه تقليدي غير متفاعل حين يتعامل مع الحياة المدنية ذات الاسمنت الجامد.
والصحراء/نص لغوي عصي يكتنفه الغموض عصي على أولئك الذين أتوا متأخرين الى عالم الصحراء ولازالوا يعيشون دهشة هذا العالم المتناهي بغموضه فيحاولون التماهي مع مفاتيحه ومدلولاته وأسراره.
لكنهم مصابون بصدمة الصحراء ، فالصحراء نص صادم حين تكون نصا متجاوزا وطاعنا في العمق والرؤية وحين تكون لغة جديدة مثقلة بالغموض لأولئك الذين يأتون إليها من خارجها أما الذين ولدوا من رحمها ذلك النص الصحراوي فهم لايشعرون بصدمة الصحراء. وللصحراء قوانينها الخاصة ولغتها المحددة التي تقدم العديد من القيم والمثل النبيلة تجاه الإنسان والحياة والطبيعة ولايمكن لنا ان نسهب في الحديث عنها الآن لأنه موضوع ربما يطول ويتفرع وتنمو أغصان أخرى له لكننا يجب ان نتفق ان العديد من القيم الفاضلة صدرتها الصحراء الى الحياة المعاصرة والحياة المدنية وثمة عادات أخرى وقفت عائقا أمام بعض الحريات والانطلاقات فوقفت حاجزا لان تلك الحريات تصادمت مع ثقافة ومبادئ الصحراء.والصحراء بقسوتها وتضاريسها ونار صيفها وزمهرير شتائها تبقى تمثل شكلا من أشكال الطبيعة الماثلة بكل تجلياتها ذلك الشكل الذي يدرك تفاصيله الإنسان العربي المترع بالبداوة ذلك الإنسان الذي نشأ في كنف سهول ووديان وجبال وقفار شكلت تكوينته النفسية والجسمانية .تلك الصحراء التي تمتد من أول النبض وحتى ماوراء الشيب والبياض ورغم انتقال الإنسان العربي من مشهد البداوة وأنماطها والتماهي مع الجبال والسهول والوديان والكثبان الى حياة المدينة والحياة الأسمنتية المحكومة بأطر الحياة المعاصرة الخارجة عن نمط الأصالة الا انه يحاول الانفلات من أسر تلك التفاصيل الأسمنتية كي لايظل في ديمومة تخلو من فضاء فطري اعتاد على الحراك في داخله حتى بلغ الحال بالإنسان البدوي ان يرسم مشهدا آخر داخل الإطار المدني الذي يدور في فلكه فيبني خيمة عربية ذات أطناب او بدون أطناب داخل فناء منزل تحيط به عمائر وبنايات متغطرسة من الاسمنت ويضع موقدا وحطبا (وشدادا) (وجاعدا) وما الى ذلك من مفردات بدوية تمنحه البهجة والتفاعل معها.

يقول الروائي العربي ابراهيم الكوني وهو ابن الصحراء الذي عاش فترة من الزمن في عالم الصحراء وهو المثقف المبدع الذي يشتغل بالرواية وينطلق من الصحراء باتجاه العالم ينطلق من تفاصيل الرمل ورائحة الأشجار البرية الى عالم مثقل بالاسمنت وجنون التكنولوجيا هو يرى مالايرى فقد أسهب كثيرا في تأمل الأشياء الصامتة وارتحل كثيرا يفتش في مفاصل الأحجار في الصحراء فعثر فجأة على الماء في الصحراء القاحلة
يقول الكوني: (منذ الطفولة تعلمت أن كسر عود أخضر إثم كبير، لقد تربيت على هذه المبادئ وهي شفرات مزروعة في أعماقي، ويبدو أنها عند كتابة أي رواية استيقظت في لحظة ما.
ويقول :أتحدث عن الصحراء كاستعارة للوجود الإنساني، والصحراء في أعماله ليست صحراء عابرة ولكنها دائماً ظل لحقيقة أخرى، ظل لمبدأ ميتافيزيقي، هي دائماً استعارة للوجود.إن إبراهيم الكوني يمتلك عالما روائيا واسعا بحجم الصحراء وهو الذي عاش غربة المثقف وانعزاليته وقد اتخذ من الصحراء مكانا لعزلته فاتسعت رؤيته باتجاه الحياة فأورقت بين أصابعه صحراء مترعة بالخضرة والنماء. وتبقى الصحراء نصا لغويا عصيا الا على أولئك الذين يتسللون الى مفاتيحه فيكتشفون عوالمه المترعة بالأسئلة

عبدالرحمن العكيمي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 16-12-2007, 18:35   #2
عَـروب التميمي
كاتبه
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ عَـروب التميمي
 

رد : الصحراء نص عصي


مقال تحليلي رائع ماتع
ويبدو من خلال ماسردت أن نصوص أبناء الصحراء حتى وأن حوت هويتهم
لكنها أصبحت أقرب للبساطة في التركيب اللغوي عن ذي قبل
عبدالرحمن العكيمي مدادٌ وفكرّ يستحقان المتابعة



التوقيع:
. . . نبض حلم ‘‘
عَـروب التميمي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
إضافة رد


عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1
 

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح

الإنتقال السريع