31-08-2009, 00:58 | #1 |
فـعـل مــاضي!
|
خارج العالم.. رؤية داخليّة:
. عنوان الرواية: خارج العالم المؤلف: سعود حامد الصاعدي الناشر: دار وجوه عدد الصفحات: 102 سنة النشر: 2009 حين البدء وحال الانتهاء من قراءة رواية: خارج العالم للأديب الصاعديّ سعود, يظل المثل الأثير الشائع: خذ الحكمة من أفواه المجانين.. يجول في النّفس ويدق مع متعة تقليب الصفحات كنوّاس الساعة تمامًا. لكن هل صعيقر ـ ثيمة المتعة الغامضة ـ وبقيّة أصدقائه النزلاء مجانين حقًا؟ يحدثنا العمل عن الحياة الفانتازية لمجموعة أشخاص دخلوا المشفى النفسيّ المحاصر بسياج حديديّ لأفكار وخواطر إنسانية شاطحة, لا يمكن لها أن تنمو وتعيش إلا في مناخٍ يبتعد عن العالم.. إلى حيث الخارج! يكتنز العمل رؤى فلسفية ونظرات عقلانية تدلف من أفواه المرضى الذين لا يخشون لحظة انكشاف الحجب غميزة أحدٍ أو غضبة أحد, حيث في إيمان الناس بجنونهم حرية تطبيق الأحلام واكتشاف العمق الحقيقيّ للحياة. يظهر ذلك جليًا حين بسط حكايات هؤلاء المجانين وشيخهم الأول صعيقر, هذا الذي استطاع أن يدير نزلاء العنابر دون أن يغادر عنبره رقم واحد, ويلفت أنظار الأطباء بتصرفات حكيمة ومقولات فارطة الذكاء أثبتت أن الجنون في تعريفه الصحيح: حالة فوق مستوى العقل! من لحظة الخروج يأتي صوت الدكتور وديع الزاهي بخيالاته الخصبة ورؤاه العميقة خلال حوار ـ افتتاحي ـ مع مدير المشفى الدكتور لطفي الحواف حيث يحدثه عن الطريقة المثلى في التعامل مع هؤلاء النزلاء الذين يعيشون لذّة السفر في عوالم حرّة مستمتعين بعقلٍ مائز التفكير: ـ هؤلاء المجانين عقلاء ياوديع؟ يسأل مدير المشفى متعجبًا! ـ نعم, هؤلاء المجانين عقلاء. هم صورة لنا من الوجه الآخر, فلو سألت أحدهم عنّا لقال: إننا مجانين! لا أحد يعترف بالجنون, لذا لا وجود للجنون إلا من زاوية الرؤية فقط. نحن نضحك على المجانين حين نراهم يتصرفون تصرفات خارجة عن مألوفنا, وهم يمارسون الضحك ذاته حين يروننا نتصرف خارج مألوفهم. بهذا الجزء المقتطف ـ بطريقة تحاول العناية ـ والمسبوق بحجج العقل وأهمية التجريب ينتهي الدكتور وديع الزاهي بحريّة مضمونة السريّة إلى إقناع مدير المشفى بضرورة أن يتقمص الطبيب النفسيّ شخصية المريض ويفكّر بطريقته ويتصرّف تصرفاته, وأن يبتعد عن التعامل الرسميّ المكشوف. أولاً: إخلاصًا للمهنة والعمل. وثانيًا: لتحقيق العلاج الناجع الذي يعيد للمرضى قدرتهم على التفكير المنظّم. تحت ضغوطٍ نفسية وأفكار فانتازية مختلفة اجتمع المجنون سحيمان ضليع اللغة العربية وزويبن الطرقي السندباد المهووس بالسفر والطيران, وشاهر الراكي حفيد رجالات الحب العذري وأحد ضحاياه, وربيعان الصويلي عاشق مباغتة الجدار بالتسلق والضرب, والشاعر المحكيّ الذي غاب اسمه تضامنًا مع فقد بريق الشهرة والنجاح, وعالم الفيزياء تاكيو أوساهيرا, وكبيرهم الذي علّمهم الإنصات والطاعة صعيقر, في عالمٍ واحد محاطٍ بأشجار كثيفة وأسوار عالية ومجموعة من الأطباء الذين يراقبون زميلهم وديع الزاهي أكثر من المجانين أنفسهم, فما السر؟ حين علم مدير المشفى بزيارة الوفد الطبيّ العالميّ برئاسة الدكتور شاندر, أعلن حالة الاهتمام والترقب واستنفر جميع الأطباء لذلك, ماعدا الدكتور وديع الذي رفض ـ على مرأى ومسمع من الجميع ـ أمر هذا النفاق الإداري, قائلاً: إن الطريقة المثلى لاستقبال فريق طبيّ عالميّ, هي أن يجدوا المشفى بكلّ ما فيه على حالته الطبيعية كما لو كانوا مجموعة من المجانين الذين أضيفوا للتوّ في سجل المرضى! من هنا بدأت الدراما الفنيّة ـ إن صحت التسمية ـ حيث تشابكت ظنون الأطباء وتعلقت أفكارهم في النظريات النفسية والطرق العلاجية التي استعرضها الدكتور وديع أمام الوفد الطبيّ, طالبًا من الجميع التعاون من أجل المرضى واندماجهم في مباهج ومجاهل هذه الحياة ذات الأمداء الواسعة! يؤمن الدكتور وديع بأن المريض النفسي يواجه العالم بعقله الباطن الذي يمثل الجزء الأكبر وهو منطقة اللاشعور في حين أن منطقة الشعور وهي ما تمثل قمة الجبل الجليديّ تختفي من تفكيره. أي أن المريض يرى الأشياء في مرآة مقلوبة تجعله لا يتفق مع الأسوياء. من هنا يدخل القارئ إلى عوالم فكرية ونفسية وإنسانية تمر عبر صوت الدكتور وديع بثقافة عميقة قادرة على تقديم النتائج المذهلة! إذ يقترح ـ أمام الوفد الطبيّ العالمي ـ فتح باب الخيال الأسطوري للمجانين, كي يساعد في تنشيط ذاكرتهم وترتيب أفكارهم على حد إيمانه, ويختلق قصة معضاد النمنم الموجود في أحد سراديب العنابر, في سبيل تخصيب الصور في ذاكرة المجنون وفتح آفاق جديدة لتلقي المعرفة! بعد فتح باب الخيال الأسطوري, يتم الإعلان عن مسابقة الغليون (غليون صعيقر) والتي يؤمن الدكتور وديع أنها تساعد على كشف كلّ الأشياء المعقدة في الحياة. المسابقة لها طعم الدهشة, إذ يتم إخفاء الغليون في مكانٍ بعيد عن النظر ثمّ وبشكل تدريجي يوضع في مكانٍ أقرب وأقرب حتى يصل إلى أوضح نقطة للعين. البحث في المكان المشكوف هو الشرط الرئيس للعبة, اعتمادًا على المرآة المقلوبة عند المجنون! وفي ذلك فائدة ملامسة الزمان والمكان الذي يغيب عن تفكيره نهائيًا. بهذه الأفكار ـ الصادمة ـ مع تطبيق علاقة الشاخص بظلّه في المرآة المقلوبة التي تعتمد نظرية التقمّص؛ يتحول المشفى إلى بلّور صافٍ يعكس مشاعر الجميع تجاه بعضهم دون التفريق بين طبيبٍ ومريض. هذه الحبكة أثارت التساؤلات حول الدكتور وديع الزاهي و صعيقر, اللذان يحوطان المكان برعاية توحي بملامح واحدة, لم تصل إلى حد الكشف بالدليل القاطع, وفي نفس الوقت لم تغب القرائن التي يمكن الاستئناس بها في محاولة إثبات ذلك.. وكأن القارئ يكون حين يكون على مرجيحة ماتعة الظن واليقين! إن فكرة تسليط الضوء على هكذا حالات موصومة بالجنون داخل مجتمعٍ صامت الفاعلية والحركة الإيجابية تفتح مجالات خصبة لسرد الكثير من المفارقات الحياتية الضاحكة الباكية, ولها أن تسقط الكثير من التعليقات الساخرة الهادفة على أحداث الساعة اليومية تمامًا كما يحدث في فنّ الكاريكاتير. ـ قل, ياتاكيو أوساهيرا: لماذا تريد إشعال صهريج الوقود؟ ـ لكي يضيء الوطن! ـ لكنك بهذه الطريقة تحرق وطنك وتقتل نفسك! ـ المهم أن يتحول وطني إلى يابان!! بهذه اللقطات ساخرة العمق يوقع المؤلف في أكثر من مكان, تاركًا الأسئلة مشرعة مفتوحة على واقعٍ متأرجح التحفظ, جاعلاً من عالم المجانين مسرحًا لتقديم النماذج الإنسانية المغيّبة إهمالاً داخل العالم, وغائصًا إلى خوالج النفس المتعبة من فهم الآخر العاقل. بهذه وغيرها, وعلى رغم قصر نَفَس السرد بين الأحداث والتفاصيل, تبقى المتعة حاضرة مع أفكار الدكتور وديع الزاهي, الذي انتهى إلى داخل العالم حين غادرت الإدارة التي تستطيع تحمّل أفكاره المتعايشة حد التماهي مع نزلاء المشفى الضيّق! . <!-- / message --><!-- stamps hack by 7beebi.com--> |
31-08-2009, 22:10 | #2 |
|
رد : خارج العالم.. رؤية داخليّة:
شكرا فوزي على القراءة الأنطباعية للرواية .. انت كاتب جميل وقارىء عميق تبلغ حد النقد .. بكل تأكيد هذا الموضوع زادنا حماس لأقتنائها .. ارجوا التنويه عن المكتبات التي تتوفر بها هذه الرواية .. |
02-09-2009, 22:24 | #3 | |
فـعـل مــاضي!
|
رد : خارج العالم.. رؤية داخليّة:
إقتباس:
أهلاً الجازي.. شهر مبارك وأيام سعيدة. العمل الصاعدي يلمس أشياء إنسانية جميلة من خلال عالم الجنون الأجمل.. بالتأكيد ستكون قراءتك مثرية أيضًا, حيث مَلكة الأدب والثقافة المتزنة. : وصلني العمل إهداءً.. أرجح أنّه في جرير والعبيكان بحكم عادة التوزيع المحليّ لدور النشر. * ودٌّ وسلامٌ واحترام. |
|
16-01-2010, 04:30 | #4 |
شـــاعرة
|
رد : خارج العالم.. رؤية داخليّة:
خارج العالم عنوانها يحفز لاتكتب الا عن الجمال محظوظ من يصل لذائقتك |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|