31-12-2007, 16:36 | #1 |
كــاتـب
|
القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. . القصة القصيرة في شكلها الحديث فن مقروء، وهي في أسلوبها القديم فن محكي. والأسلوب الحديث مشغول بالشكل، هو تغيير في شكل الحكاية، وعن طريق هذا التغيير الذي يبدعه القاص يتحمل القارئ مسؤوليته تجاه ما يسمع، مسؤولية أن يتفق أو يختلف، أو أن يكون له رأي أو لا يكون، يغضب أو يبتسم، يحب أو يكره... الخ. الحكاية القديمة أيضاً تطلب من القارئ أن يتخذ موقفاً ما، لكن بطريقة أخرى تعتمد أكثر على المضمون في واقعيته وربما على أداء القاص معبراً عن قصته. فرق بين قاص مشغول بالأسلوب على طريقة المعاصرين والقاص القديم حين يروي الحكاية وينتظر تأثيرها المباشر. الأولون يثيرون الناقد أكثر، والآخرون يستجدون مزاجية القارئ وإن أجادوا في أساليبهم الحكائية. واللغة الجميلة شرط في القصة بلا شك.. لأن اللغة وعاء للمشاعر الإنسانية، فنحن نفهم الآخر بمقدار ما تكون لغته واضحة، لذا كان الإخلال باللغة إخلال بالوضوح، إخلال بالأداة التي تنقل الفكرة من عقل إلى آخر. نقول لغة جميلة، ونعني بها لغة قادرة على إيصال المعنى المطلوب بأيسر الطرق وأوضحها وربما في مجال القصة القصيرة بأفضل الكلمات إثارة للوحي والإلهام. ولن تكون الأداة قادرة على ذلك كله إن أثقلناها بالأخطاء اللغوية والنحوية والتركيبية. أفهم أن تطوير اللغة من بعض مهام القاص أو الشاعر الكبير لكن ذلك لا يكون بجر المرفوع ونصب المجرور وغير ذلك من الأصول والقواعد، بل يقع التطوير في الغالب ببنية الكلمات التي يستخدمها القاص، أو في تحويل مفردة قديمة إلى استخدام حديث أو العكس بمعنى استخدام مصطلح عامي لتوضيح فكرة أو شيء حديث وغير ذلك، لكن من الذي يقوم بهذا العمل؟ يقوم به القاص أو الشاعر العالم باللغة، هو يعلم المتبع لكنه يغيره ومعه حجته، وليس الجاهل باللغة والإملاء والنحو الذي يجعل التطوير حجته حين يحاسب على جهله وسخفه حين يزعم أنه فوق اللغة وأساليبها وثوابتها التي لا يعرف عنها أو منها شيئاً. والأساليب.. وجميل بلا شك أن ينوع القاص في أساليبه، وجميل أن يكون التجريب بين طرق الكتابة من مهام القاص المعاصر واهتماماته، وجميل هو التجديد والتطوير والابتكار في عرض الأفكار في كل ميدان وليست القصة القصيرة بدعا في ذلك.. لكن: يجب أن نتذكر أن التجديد لا يضمن الصحة دائماً، وأن تكون مجدداً فذلك لا يعني أن تكون مصيباً. التجديد رأي في الأسلوب أو في المضمون ننقله للجمهور وقد يقره هذا الجمهور فيخلق معه قاعدة جديدة، وقد لا يقره فيطويه النسيان، وقد تقره فئة من الجمهور وترفضه أخرى، وقد يقبله جيل من القراء ولا يستسيغه آخر.. كل ذلك وارد لكن غير الوارد أن يسعى قاص إلى إرغام الجمهور على قبول ما يرى أنه تجديد، فإن لم يقبلوا ألقى في وجوههم الحجارة، هو حين يفعل لا يتجاوز رجم ذاته ورجم التجديد الذي يبشر به. والقاص الممثل قضية أخرى.. حين يقرأ قصة قصيرة، يصوغ القارئ بخياله أشياء كثيرة: صوت البطل وطريقته الصوتية في التعبير عن انفعالاته، تفاوت إجاباته، تشكيلات جسده حين يمارس فعلا ما... الخ، عند الإلقاء نطلب من القاص أن يمارس شيئاً من هذا الدور، دورا يشبه دور حكواتي المقاهي حين يقرأ طبعة شعبية من سيرة عنترة أو حمزة البهلوان أو سيف بن ذي يزن، لكن ليس كل قصاصنا يفعل ذلك، وبعضهم لا يستطيعه حتى لو أراده، لأنه قد يكون قاصاً موهوباً لكنه ليس بالضرورة ممثلاً مقبولاً فضلاً عن أن يكون موهوباً. بعض النقاد يعبر عن ذلك بأهمية أن (يتماهى) القاص مع قصته، لا بأس لـ(يتماهى) لكن ليستطع قبل ذلك. ولعل الشاعر أحمد شوقي رحمه الله كان أذكى منا حين كان يطلب من الممثل الكبير عبدالوارث عسر أن يلقي شعره بدلاً عنه في المجامع والأمسيات. . . |
06-01-2008, 10:07 | #2 |
بقـايا حُلـم
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
عظيم والله هذا الموضوع ونحن في أشد الحاجه له لنستفيد منه تثبيت للفائدة شكرا استاذ عبدالواحد على حضورك اولا وللموضوع ثانيا ولو ان الشكر قليل في حقك |
18-01-2008, 17:54 | #3 |
فـعـل مــاضي!
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. على خلفية الخطأ والوقوع في اللحن, هناك مسألةٌ مهمّة جاءت في كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر, تقول:« أن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة ولكنه يقدح في الجاهل به نفسه لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه وهم الناطقون باللغة فوجب اتباعهم والدليل على ذلك أن الشاعر لم ينظم شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب المفعول أو ما جرى مجراهما وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن المتصفين بصفة الفصاحة والبلاغة ولهذا لم يكن اللحن قادحا في حسن الكلام لأنه إذا قيل: جاء زيد راكب إن لم يكن حسناً إلا بأن يقال: جاء راكباً بالنصب لكان النحو شرطا في حسن الكلام وليس كذلك. فتبين بهذا أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته وإنما الغرض أمر وراء ذلك وهكذا يجري الحكم في الخطب والرسائل من الكلام المنثور». ولأنّنا حريصون على الاستزادة من صيد الخاطر الذي يأتي به أستاذنا عبدالواحد, نودّ أن يعقب ـ مشكورًا ـ على ماجاء في قول ابن الأثير, والذي قد يحمل ـ البعض ـ على تقديرات تفوق كلّ ماصطلح عليه العلم. ثمّ لنا عودات ـ بالتأكيد ـ, لهذه الورقة المهمّة فكرةً ومضمونًا. * حيّهلا |
03-02-2008, 11:48 | #4 |
كــاتـب
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. . الأخت العنود.. أشكرك على جميل ثقتك.. . |
03-02-2008, 11:56 | #5 |
كــاتـب
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. . الأخ فوزي.. لا شك في أن النحو ليس مطلبا لذاته، لكنه مطلب لأمرين: وضوح معنى الكلام، وجمال هذا المعنى في مبناه ومعناه، ولن يكون كذلك إلا إذا اكتملت اصوله بين اللغة السليمة والمعنى الموحي أو السديد في ما يقدمه من متعة أو منفعة أو هما معاً. ولهذين المطلبين جاء القرآن الكريم والحديث النبوي والشعر الذي قالته العرب بليغا وفصيحا، ومن ذلك حرص الفصحاء والبلغاء في كل جيل على سلامة ما يقولونه ويكتبونه من أخطاء النحو والإملاء وما يستقبح من التعابير حتى وإن كان ذلك غير مقصودا بذاته. تحياتي لك.. . . |
19-03-2008, 18:44 | #6 |
بقـايا حُلـم
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
نحتاج أكثر معلومه وخبره لنستفيد منك أستاذنا عبدالواحد فهل الموضوع قابل للأضافه عن القصة القصيرة: بين القراءة والسماع ؟ تحيتي اينما كنت |
17-05-2009, 19:10 | #7 |
عضو
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
موضوع مفيد اشكرك عليه |
31-07-2009, 02:21 | #8 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. . بعد إذنك أستاذ عبد الواحد سأضيف هذه المعلومات ليصبح الموضوع مرجع لكل من يريد كتابة قصة قصيرة : . . القصة القصيرة .. عناصرها وشروطها يخلط بعض الكتاب بين القصة والقصة القصيرة، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور متوغلة في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيداً ضخماً من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن، لكن القصة القصيرة بمفهومها الحديث فن وافد إلى الأدب العربي المعاصر من الغرب والشرق. ولا يبرر هذا الخلط بين القصة والقصة القصيرة ما تشهده ساحة الإبداع الأدبي من فوضى نتيجة تداخل الأجناس الأدبية على أيدي المغرمين بتقليد أدباء الغرب، حتى أصبحنا نقرأ ما يسمى شعراً ما ليس له علاقة بالشعر، أو نقرأ قصة ما ليس له علاقة بالقصة، كل ذلك بحجة التجديد، وما هو سوى تقليد أعمى يتجاهل الذائقة الفنية للقارئ العربي الذي تربى على تلقي ألوان أدبية شكلت ذائقته الفنية بل وساهمت في تشكيل شخصيته العامة، وهي ألوان قابلة للتجديد وفق السياق العام للتطور الذي تشهده الحياة في المجتمع العربي المسلم، لا وفق ما يراه الآخرون. قواعد صارمه: إن الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يحمـل كمـاً هـائلاً من القصص التي لا يمكن أن ينطبق عليها مصطلح القصة القصيرة، رغم أن هذا اللون الأدبي ـ أي القصة القصيرة ـ هو أكثر الألوان الأدبية قابلية للتطوير والتجديد، وهذا ما تؤكده النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة التي وضعها كتّاب القصة القصيرة الأوائل، أو التي استنتجها النقاد من كتابات أولئك الرواد. وبصرف النظر عن مدى تقبل المتلقي للنصوص القصصية الجديدة، فإن على المبدعين التعامل بحذر مع النص قبل الإقدام على مغامرة التجريب، حتى لا يتخلى النص القصصي نهائياً عن كـل مقومات القصـة القصيرة.. ليصبح لونـاً أدبياً آخر يمكن تصنيفه في أي ( خانة ) من ( خانات ) الأدب باستثناء القصة القصيرة. فن جديد: وكما قلنا: يعتبر فن القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي عرفها الأدب العربي في هذا العصر، وإن كان هناك من يرجع جذورها الأولى إلى بعض الفنون الأدبية القديمة، لأنها تشترك معها في بعض الملامح، لكن حقيقة الأمر أن القصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد، ليس في الأدب العربي فقط، ولكن حتى في الآداب الغربية الأخرى، إذ لم يظهر هذا الفن إلا منذ حوالي قرن تقريباً وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل : ( وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجاً، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية. عصر السرعة: أما من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيراً من الشبان بكتابتها رغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص، ولذلك يخفق 70% على الأقل في كتابتها. وأما من حيث العوامل الخارجية، فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، ومئات الصحف والمجلات تحتاج كل يوم لمئات القصص وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، ثم يذكر من هذه العوامل الإذاعة أيضاً، والناس الذين سيطرت على حياتهم السرعة في كل شيء حتى فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ضالتهم، لأنها تلائم روح العصر بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة. ثم إن (القصة القصيرة لا تزدهر مع حياة الخمول، بل تزدهر مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به، وما اهتمامها بالإنسان إلا اهتمام بالطبقات المسحوقة بشكل خاص). وفي هذا العصر يعيش الإنسان أقسى أنواع المعاناة، وأشدها وطأة على النفس، وفي مثل هذه الظروف تزدهر القصة القصيرة..... معطف جوجول ويمكن القـول أن القصة القصيرة ظهرت في وقت واحد في بلدين متباعدين، وعلى أيدي اثنين لم يتفقا على ذلك هما إدجار ألن بو 1809 ـ 1840 في أمريكا، وجوجول 1809 ـ 1852 في روسيا، وقد قال مكسيم جوركي عن جوجول (لقد خرجنا من معطف جوجول) (3) وهو بهذا وضع تحديداً مبدئياً لتاريخ القصة القصيرة في الآداب العالمية، إلى أن جاء جي دي موباسان 1850 ـ 1892 في فرنسا ليقول عنه هولبروك جاكسان: (إن القصة القصيرة هي موباسان، وموباسان هو القصة القصيرة).... مقدمة وعقدة: وهناك شـروط للقصـة القصيرة هي المقدمة والعقدة والحل أو لحظة التنوير، كما أن للقصة عناصر تقليدية أيضاً هي الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان ـ لكن هذه الشروط أو العناصر لم تعد تشغل بال كتاب القصة الحديثة، إذ تجاوزها الكثيرون ممن يحاولون التجريب فهم يرون أنها (سير نحو هدف ما، ومن معاني السير البحث، ولا سيما البحث عن الوجود، والقصة هي أحسن مثال لهذا اللون من البحث، وهذا السير هو في الحقيقة مجهول، مغامرة منغلقة الأسرار، حركية دائمة ديمومة متدحرجة، وعلاقة القصاص بهذا اللون من البحث غريبة. إذ أن القصة تتبع من نفسه، فيتحملها عند كتابتها ومعايشتها، حتى تتمكن من تقرير مصيرها بنفسها فنياً. أما القصة التقليدية فهي السـكون والقـرار، إذ هي مشـروحة جـاهزة، مضبوطة الأهـداف.. منطقية قدرية " عاقلة " يصبها باعثها في قالب جامد مجتر ). وهذا الكلام لا يؤخذ على علاته، فالعملية الإبداعية لا تقتصر في نجاحها على أساليب دون غيرها، سواء كانت هذه الأساليب تقليدية أو تجريبية، فإذا توفر الصدق الفني إلى جانب إشراقة الأسلوب وقدرته على تفجير الأسئلة في ضمير المتلقي، يمكن الحكم للعمل الإبداعي لا عليه. فما الفائدة في أن يقدم على التجريب من لا يملك الأدوات الفنية التي تؤهله لذلك، إن العملية الإبداعية في هذه الحالة لا تتعرض للتجريب بل للتخريب. شروط غير ملزمة: ومع ذلك فإن شروط القصة القصيرة لم تعد ملزمة، لأنها شروط قابلة للنقض، كغيرها من الشروط العامة التي تخضع حين تنفيذها لظروف مختلفة عن تلك التي كانت حين فرضها. وهي قابلة للتجاوز حسب درجة الوعي التي يتمتع بها المبدع.. ذلك الوعي الذي لا يتيح للمتلقي فرصة الوقوف والسؤال عن لماذا تم تجاوز هذا الشرط أو ذاك. فهو أمام عمل إبداعي متكامل، تم تشكيله وفق رؤية جديدة ومتطورة لا يملك المتلقي حيالها إلا الإعجاب. لكن إذا أمكننا أن نتخلى عن بعض أو كل شروط القصة القصيرة، فكيف لنا أن نتخلى عن كل أو بعض عناصرها ؟. إن هذا التخلي عن هذه العناصر يحيل الكتابة إلى لون أدبي آخر غير القصة. قد يندرج تحت مسمى الخاطرة أو الكتابات الوجدانية أو أي لون أدبي آخر غير القصة، وهذا لا يعني أن هذه العناصر جامدة ولا تقبل التطوير. وأول هذه العناصر الشخصية القصصية: أولا- الشخصية: كنا إلى وقت قريب نقرأ الشخصية القصصية فنجدها صدى لكاتبها، إذ أن ثمة علاقة تشبه التوحد بين المبدع وشخصياته القصصية، وهذا التوحد وإن كان يلقي الضوء على المبدع وفكره، إلا أنه يحول بين الشخصية وممارسة تصرفاتها الطبيعية، وفق الدوافع والأجواء التي وجدت فيها، وعندما يطـل المبدع بفكره من خلال شخصياته القصصية، فإن هـذا يكرس النمطية التي تتكرر بشكل أو بآخر، وتلقي بظلالها على ما يأتي بعدها. لكننا مع تقدم التقنية القصصية، نتيجة فسـح المجال أمام التجارب الجديدة.. أصبحنا نقرأ نماذج متعددة من تلك الشخصيات، لا تظهر فيها سيطرة الكاتب وتحكمه في مصيرها، وأصبح سلوكها مرهون الخطوات بالظروف والعوامل والأجواء التي وجدت بها، دون الشعور بأن الكاتب هو المتصرف بشؤونها، والمتحكم في تصرفاتها والمقرر لمصائرها، وهذا لا يلغي العلاقة بين المبدع والنص، ولكنه يجعل هذه العلاقة متوازنة ومحكومة بضوابط خفية يعرفها المدركون للإشكاليات المتعلقة بالإبداع أو التلقي. الإبداع والنص: وحين الحديث عن العلاقة بين المبدع والنص علينا ألا نتجاهل أهمية التجارب الذاتية في إثراء العمل الإبداعي، وهذه التجـارب لا تبرر للمبدع فرض رأيه وفكره فيما يتعارض مع قدرة شخصيته القصصية على استيعاب وتمثل هذا الرأي أو الفكر، لأن العديد من العوامـل هي التي تحـدد هذه القـدرة على الاستيعاب والتمثل، وبغياب هذه العوامل تصبح تلك القدرة مفقودة، والتناقض واضحاً بين الشخصية وسلوكها المحتمل والمتوقع. إن إدراك توازن العلاقة بني المبدع والنص يقودنا إلى شيء من التسليم بأن هذه العلاقة طبيعية وغير متنافرة، إذا تقيدت بتلك الضوابط الخفية التي أشرنا إليها آنفاً. أما القول بانعدام العلاقة بين المبدع والنص، كما يزعم المنادون بموت المؤلف، فإنه قول يتجاهل مجمل المعطيات التي تحيل النص من مجرد فكرة هلامية، إلى كائن يتنامى حتى يبلغ أوج نضجه. وهكذا يكون الحال بالنسبة للجزئيات التي يتكـون منها النص في نهاية الأمر. شخصيات مختلفة: عند الحديث عن الشخصية القصصية سواء في الرواية أو القصة القصيرة، يتبادر إلى الأذهان أن المعنى هو الإنسان، وإن لواء البطولة في القصة لا يعقد إلا لهذا الإنسان، مع أن الأعمال الروائية والقصصية المشهورة تزخر بأبطال حقيقيين يتحكمون في مسار الأحداث، ولكنهم ليسوا رجالا أو نساء، ليسوا بشرا، وإن كانوا هم محور الأحداث، ومركز استقطابها، وعلاقتهم بالناس هي علاقة محكومة بظروفها، لا أقل ولا أكثر. ونحن أمام عمل إبداعي مثل ( العجوز والبحر ) لهنجواي ننسب البطولة للعجوز، لكن هناك بطولة لشخصيات أخرى أشد ضراوة في مقاومة الظروف وتحدي الصعاب.. وأشد إصراراً على تحقيق هزيمة ساحقة بالعجوز الذي لم ينهزم لأنه يقول في النهاية : إن الإنسان قد يتحطم ولكنه لا ينهزم. فلدينا البحر الذي يشارك العجوز هذه البطولة، وكذلك سمك القرش الذي يشاركه أيضاً هذه البطولة، فنحن في هذا العمل الإبداعي أمام ثلاث شخصيات تتساوى في الأهمية : سانتياغو العجوز، والبحر الذي يقود الأحداث إلى المجهول، وأسماك القرش التي تصر على إلحاق الهزيمة بالعجوز. الشخصية الإنسانية ليست شرطا: فالشخصية الرئيسية أو البطل في القصة أو الرواية لا يشترط أن يكون إنساناً، قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن فلسفة الزمـن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب مجموعة من الأحداث والشخصيات.. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقصود بالزمن هنا لا علاقة له بالتاريخ، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة تاريخية.. بطلها الزمن. كما أن المقصود بالمكان هنا لا علاقة له بالأيديولوجيا، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة.. بطلها المكان.. ويمكن اعتبار بطل قصة ( في ضوء القمر ) لجي دي موباسـان هو الزمن. بينما يمكن اعتبار بطل رواية ( الأرض الطيبة ) لبيـرل باك هو المكان.. ثانيا- الحدث : لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله مجموعة مـن العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام. واقع وخيال قد يكون الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في ذلك على روافـد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامـل لا تكوِّن إبداعـه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضـح على أعماله الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث، أي من مجرد فكرة.. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق. تأثير مختلف: والحدث هي وظيفة يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر.. من تناقض وانسجام بين الأشياء.. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة، فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي. عنصر هام: ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نسـاهم في إعادة كتابة النص مجدداً. ومع أن الحدث يحتاج إلى الدلالات والإشارات التي تؤدي إلى توضيحه أو تمييزه، بين العناصر الأخرى المكونة للقصة القصيرة.. إلا أننا لابد أن نسـلم بأنه لا يعتمد على السرد ليأخذ شكله النهائي، والتمادي في السرد هو من المآخذ التي يدينها النقاد في العمل القصصي، لكن توظيفه بشـكل ذكي ومتوازن مطلوب لتحديد معالم النص الإبداعي. فالسرد عنصر مهم إذا استخدم وفق مقاييس فنية دقيقة، كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك، ليس بالنسبة للحدث فحسب، بل بالنسبة للقصة ككل. فراغ في البناء: وتجاهل الحدث أو تهميش دوره في القصة القصيرة، يؤدي إلى وجـود فراغ في بناء القصة، هذا الفراغ لا يمكن أن يسد بمادة أخرى بحجة التجريب، وبحجة أن القصة من أكثر الفنون الأدبية قابلية للتطوير، وهنا لابد أن نفرق بين التطوير الواعي، والتجريب العشوائي، الذي يغري الكثيرين بولوج باب القصـة، فإذا هم بعد فترة، وقد تلاشت أسماؤهم بعد أن تلاشت كتاباتهم نتيجة الفشل. اختلاف في الطريقة وما من حـدث إلا وله بداية ووسط ونهاية لكن هذا الحدث كما هو الحال في بقية عناصر القصة القصيرة، يختلف في طريقة طرحه من مبدع لآخر، بحيث لا يمكن وضع قواعد صارمة ينحصر في دائرتها من حيث طريقة الطرح، وتسيير دفته في الاتجاه المطلوب، وهذا الاختلاف في طريقة الطرح تفرضه عوامل عديدة من داخل النص ذاته، ووفق توجهه وأجوائه العامة، حتى لا يبدو طرحاً قسرياً أو متناقضاً مع ما حوله. ومن أوجه ذلك إخضاع الحدث لجملة من المفاهيم الفضفاضة التي لا يستوعبها، ومنها مفاهيم علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسـفة الواقعية، والنظريات العلمية، مما هو فوق احتمال الحدث، ومما هو فوق طاقة القصة القصيرة بصورة عامة. ( وذلك لأن القصة ليست بالدراسة العلمية التي تعتمد في مناهجها على العقل المنطقي، بل هي فن يعرف بواسطة العلامات والرموز والأشكال. أعني الألفاظ والجمل والأسلوب والمعاني.. الخ. عن واقع لا يضارع واقعها الكلي، ولا علاقة للأول بالثاني، لأن واقـع القصـة متفرد، موحـد، مسـتقل بذاته، وكذلك هو الشأن بالنسبة للوقائع الأخرى، كالأحلام والرؤيا والخيال والذكرى، والحياة اليومية والأعمال الفنية والأدبية ) (6). ثالثا-البيئة لقد اتضح من حديثنا السابق عن الحدث أن هذا الحدث له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة الـمحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن تمـدد الزمـان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق ( المنولوج الداخلي ) دون أن تتمرد القصة القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من الترهل غير المستساغ، بل والمرفوض حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة. وعاء وبيئة: والبيئة هي التي تحتضن الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصـة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه. نقطة ارتكاز: فالبيئة بهذا المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كـل العناصر لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى (لحظة التنوير) عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية والقصة القصيرة نكتشف أهمية البيئة (وذلك لأن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز، والرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر، والرواية تعرض للشخص من نشأته إلى زواجه إلى مماته، وهي تروي وتفسر حوادث حياته من حب ومرض وصراع وفشل ونجاح، أما القصة القصيرة فتكتفي بقطـاع من هذه الحياة، بلمحة منها، بموقف معين أو لحظة معينة، تعني شيئاً معيناً، ولذلك فهي تسلط عليها الضوء، بحيث تنتهي بها نهاية تنير لنا هذه اللحظة) (7) وهذا لن يتحقق إلا في بيئة تتوفر فيها كل الظروف الملائمة والمناخ المناسب لتحقيق هذه الغاية. تحقيق الذات: هناك نوع من القصص القصيرة التي تفـلت مـن البيئة الـواقعية إلى بيئة (فتنازية) يحاول فيها المبدع تحقيق ذاته في أجواء لا يستطيعها في الواقع المعاش، فإذا هذه (الفنتازيا) بيئة يمارس فيها المبدع انطواءه، وتذمره من الواقع، واحتجاجه على الكثير من الأوضاع القارة والسائدة في المجتمع. فهو يسعى إلى تحقيق رغباته في بيئة لا تنطبق عليها مظاهر أو شروط الواقع المعاش، ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنها بيئة صالحة للعمل الإبداعي، إذا توفرت لدى المبدع إمكانيات وأدوات تمكنه من أداء مهمته الإبداعية بالشكل والمضمون المناسبين. خاصة إذا سلمنا بأن المبدع والفنان عموماً ذو شخصية تتمتع بحواس وإمكانيات للإدراك فريدة من نوعها، تؤدي به إلى الالتزام بموقف لا يهتم بقبول أو رفض الآخرين له. بناء ونسيج: وعندما نتحدث عن بناء القصة، فإننا نعني هذه العناصر الرئيسة ـ الشخصية ـ الحدث ـ البيئة، لكن عندما نتحدث عن نسيج القصة فإننا نعني: اللغة ـ الوصف ـ الحوار ـ السرد، ومن هذه الأدوات يتكون النسيج العام للقصة وهي أدوات لا تستخدم استخداماً عشوائياً، بل لابد من توظيفها لتوضيح ملامح الشخصية وتطوير الحدث، وإبراز البيئة القصصية، لتكون هذه العناصر حاضرة أمام المتلقي بدرجـات متساوية قدر الإمكان، ولن يتحقق ذلك، ما لم تكن الأدوات المتاحة في نسيج القصـة مرتبطة بتلك العناصر ارتباطاً وثيقاً، فاللغة لابد أن تكون مطابقة لمستوى الشخصية أثناء الحوار، بحيث لا يمكن إنطاق ابن الشارع الجاهل بلغة المثقفين، فهذا الإنطاق يبدو متنافراً مع الواقع وغير مقبول على الإطلاق، وهذا لا يعني تحبيذ العامية في هذا النطاق، بل هو تحبيذ للغة بسيطة مفهومة من الجميع، وتكتب دون إخلال بمقومات النطق السليم، وقواعد الكتابة الصحيحة. وكذلك الوصف لابد أن يقتصر على ما تفرضه العناصر الأساسية للقصة، حتى لا يطغى على هذه العناصر أو يربك إيقاع القصة المتناغم وانسجامها التام. أما الحوار، فهو مطالب بأن يساعد على توضيح ملامح الشخصية، وجلاء الحدث، وأي حوار لا يضيف جديداً إلى الشخصية أو الـحدث، يندرج تحت مسمى اللغو الذي لا تحتمله القصة القصيرة. وما ينطبق على اللغة والوصف والحوار.. ينطبق على السرد من حيث ملاءمته لعناصر القصة، وعدم تنافره معها أو إعاقته لنموها، وقد أصبح السرد من المآخذ التي يمكن أن تطلق على أي نص قصصي إذا نظر إليه بعين السخط التي تبدي المساوئ دون غيرها، مع أن القصة لا تخلو من السرد دون أن يكون سمة بارزة فيها، فالكاتب يلجأ إليه عندما تقتضي الضرورة الفنية ذلك كما أشرنا سابقاً. |
31-07-2009, 02:27 | #9 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
بقلم أحمد زين 2- ست خطوات لكتابة القصة أولا: كيف أحصل على المادة الخام؟ لا بد أن يتمتع الكاتب بروح الطفل الذي يكتشف الأشياء من حوله لأول مرة بكثير من السذاجة وكثير من الجرأة وكثير من الرغبة في المعرفة، إنه لا يكتفي بالنظر العابر، ولا يكف عن إطلاق التساؤلات وبأقصى قدر من النباهة واللجاجة، كما أنه أبدا لا يصل إلى إجابات مقنعة.. تماما كما لا تستهويه تلك الإجابات الجاهزة... لا يمكن للكاتب أن يكون كالإنسان العادي يمر على الأشياء والأحداث مرور الكرام.. في العراك يهتم الجميع بفض الاشتباك أو على الأقل المتابعة البليدة إلا الكاتب... فهو يتابع العيون والوجوه.. التهديدات.. حتى السباب والشتم يتابعه بشغف.. يترصد الخوف في العيون.. والجبن والتخاذل أو الجبروت والتسلط.. ربما تذكر موقفًا مشابهًا أو أوحى إليه ذلك بفكرة قصة أو خاطرة.. لا يهم أن تكون قريبة أو بعيدة عن الحدث ربما صور هذا الشجار ذاته في أحد أعماله وبكل تفاصيله.. وربما قفز منها إلى فكرة التنازع على السلطة، أو حتى صراع الدول. إن الكاتب يركب المواصلات العامة فلا يضيق بالزحام كالآخرين بل يلتهم الناس من حوله تأملا.. يرى اللص وعلامات الريبة على وجهه ويرى السائق والضيق ينهشه، ويرى العامل البسيط يعود من عمله منهك القوى وقد كلله العرق.. ويرى الفلاحة تبيع الزبد داخل الحافلة، ويرى... ويرى... لتكون تلك مادته التي يتكئ عليها حين يشرع في عمل. وحسب نصيحة أحد الكتاب "اختبر فيك بديهة الطفل ورويّة الشيخ. طوّر قابليتك على رؤية المخلوقات والكائنات، انظرها -كل حين- وكأنك تراها لأول مرة... اعتياد الرؤية يقتل الأشياء يحنّطها، اخرج من شرنقة الاعتيادي والروتيني، لتكون كاتباً متفرداً". إنه لا يرى في الشحاذ قذره وبطالته وملابسه الرثة، بل قد يرى فيه المجتمع الظالم.. والفساد الاقتصادي بل ووطنه الفقير أيضًا، وعامة فالكاتب الجيد هو ذاك الذين يجيد الإصغاء بجوارحه جميعًا لكل ما حوله، الطبيعة والبشر والناس والحيوانات والجماد أيضًا. ثانيا: قبل كل قصة تكتبها اقرأ 10 كتب لا بد للكاتب أن يقرأ ثم يقرأ ويقرأ ثم يعاود القراءة... وهذا ليس تكرارا لكن المراد القراءات المختلفة التي لا تغني إحداها عن الأخرى.. قراءة المتعة وقراءة الإفادة وقراءة المعرفة وقراءة الوقوف على نقاط الضعف والقوة.. إن الكاتب الجيد هو متذوق جيد بالأساس ثم هو ناقد جيد يعرف كيف يفهم العمل الفني، وهو حين يعجب بعمل ما وبقيمته الفنية يعرف كيف استطاع كاتبه أن يجوِّد عمله.. وما الذي أسهم في إعطائه تلك القيمة. لا تعني القراءة هنا القراءة في الأدب فقط، لكن القراءة في الرياضة والسياسة والاقتصاد والتاريخ وغير ذلك من العلوم الإنسانية هي رصيد لا بد أن يضاف لك، وتبعا لكاتب فرنسي فإنه أثناء قراءته يتساءل: "ما الذي حبّب هذا الكتاب إليه؟ ما الذي كرّهه فيه؟ لماذا أثاره هنا وحرّك كوامن حزنه؟ كيف انتهج المؤلف أسلوبه ذاك؟ هل الأسلوب سلس أو معقّد، مبهم أم واضح؟ كيف تمَّ بناء الشخصيات وهندسة الأحداث، هل الحوارات مقنعة والسرد وافٍ، هل هي ضامرة وشاحبة لم تروِ ظمأ ولا أشبعت فضولاً؟". ثالثا: ما الذي تريد أن تقوله؟ لا بد أن تقول شيئا لا يهم ماهية هذا الشيء يمكن أن يكون رأياً أو فكرة، أو فلسفة، أو دعوة أو تحذيراً أو حتى "نكتة"، بل يمكن أن يكون هذا الشيء هو اللاشيء… لكن المهم أن يكون هذا اللاشيء واضحا في ذهن صاحبه.. ولا نعني إلا أن الكاتب يمكن أن يعبر عن شاب ضاع هدفه وفقد بوصلته في الحياة ويختار الكاتب لذلك أن يكتب بلغة لا تعطي شيئا ولا تكون إلا أكوامًا من كلمات وحروف لينقل للمتلقي شعور الضياع والتشتت.. إن كافكا الكاتب الصهيوني سمي بالكاتب الكابوسي؛ لأن ما يكتبه يحاول أن يشرك القارئ معه في معاناة وضيق وهذا ما دارت حوله كل أعماله، وليس أدل على نجاحه من أن يقول الكاتب الفرنسي "جان جينيه": "يا له من حزن! لا شيء يمكن فعله مع كافكا هذا، فكلما اختبرته واقتربت منه أراني أبتعد عنه أكثر"؛ فالرجل نجح في إحباط قرائه ونقل الكابوس إليهم ورغم أن ذلك يبدو للبعض هدفا سيئا فإننا لا بد أن نبتعد عن تصنيف أهداف الكتاب إلى أهداف خيرة وأهداف شريرة لأنها ببساطة أهدافهم وهم أحرار حيالها. رابعًا: أين تكتب؟ بيت عند سفح جبل أو على شاطئ بحر.. غرفة ريفية منعزلة أو مقهى في ميدان مزدحم… لا يهم فإن شرطاً ثابتاً لنوعية مكان الكتابة ومواصفاته، لهو شرط عقيم لا يحالفه النجاح. ببساطة لأن لكل إنسان طريقة ما تناسبه وتفجر ما عنده؛ فالبعض يشترط على نفسه مكانا معينا والبعض قد يكتب في الأتوبيس.. إن شاعرا كبيرا كأمل دنقل وقاصا عظيما مثل يحيى الطاهر عبد الله كانا يكتبان على أظهر أغلفة علب السجائر، وربما التقط أحدهما ورقة من الرصيف الذي يمشي بجانبه ليسارع بتسجيل ما خطر له من نصوص. وأنت أيها المبدع الواعد اكتب في المكان الذي يحلو لك الجلوس فيه، لا تقلّد أحداً ممن سبقك ولا تُعر انتباهاً لمن ينصحك في مثل هذه الجزئية، فلا تشترط الكتابة إلا جالساً على مكتب فخم ومرتب وعليه آنية بزهور يانعة، كما يفعل محمد حسنين هيكل. ولا تكتب إلا جالساً على أريكة صلدة كما كان يحلو لطه حسين إملاء كتبه على سكرتيره، أو تصرّ على الكتابة في ركن المطبخ كما فعلت فرجينيا وولف التي لم تشترط للكتابة إلا: "ركنا منعزلا وكرسيا ومنضدة للكتابة"، ومن طريف ما يذكر عنها أن كثيراً مما كتبت سجلته على حواف تذاكر القطار، وعلى العكس فإن الجاحظ لم يكن ليبدع إلا حين يؤجر دكاكين الورّاقين ويبيت فيها، ليتمكن من الكتابة، وخلاصة الأمر أنه لو كان بداخلك شيء فسيخرج في أي ظرف وتحت أي ضغط.. وإذا لم يكن هناك شيء فمهما فعلت ووفرت له الظروف فصدقني ستتعب ولن تجني شيئا ذا بال. خامسًا: كن الراوي الذي تريد؟ للقصة أنواع مختلفة.. من حيث الراوي فيمكن أن يكون الراوي هو البطل كأن يبدأ الكاتب الحديث على لسان البطل، يلبس سراويله وينام في فراشه، يتحدث حديثه ويمارس عاداته وهواياته. يتلكأ في الكلام أو يعرج أثناءه يحب أكل اللحوم ويهوي مشاهدة أفلاك الغرب الأمريكي... ويمكن أن يكون الكاتب راوية فحسب.. لا يعدو أن يكون مراقباً نزيهاً وراصداً لحركات البطل أو الأبطال متابعاً سير الأحداث، دون أن يتدخل في السياق، فلا يفرض عليهم رأياً ولا يقدم لهم مشورة. محافظاً على ذاك البعد المحسوب والمسافة الدقيقة التي تفصله عنهم. إنه غريب عنهم، لكنه بينهم. ومن الممكن أيضا أن يتقمص الكاتب روح كل كائنات القصة وأبطالها، يفصح عما في خلجاتهم ويدور مع نزعاتهم وبجميع الألسنة أو تعدد اللهجات. سادسًا: كيف تنهي قصتك؟ النهاية البليغة لها تأثير كبير.. فالنهاية هي آخر ما يطالعه القارئ وبالتالي يمكن أن تكون الشيء الأكثر جاذبية فيها.. ولا نبالغ إذا قلنا بأن أحد أهم عناصر نجاح القصة نهايتها الموفقة، والنهاية الموفقة هي التي يمتد أثرها ولا يتبدد مع آخر كلمة لها.. يختار البعض أن تكون النهاية مخيبة لآمال القارئ بأن تسير به في اتجاه مغاير تماما لما يوجهه إليه العمل ككل.. ورغم إحباط القارئ فإنه يستبطن إعجابا بهذا القاص اللطيف الذي خدعه.. كأن يتحدث أحدهم عن محبوبته الغائبة ومعاني الشوق والعشق ثم تكتشف في النهاية أنه يتحدث عن ساقية أرضه. ويمكن أن تكون النهاية مفتوحة تستدعي من المتلقي الاشتراك في العمل بعد نهايته بأن يسرح هو بخياله مع العمل ليتمه أو ليتناقش معه... والبعض يختار النهاية الدائرية بأن ينهي بجملة هي ذاتها التي بدأ بها ربما ليدلل على تكرار الحدث مرات ومرات، ويمكن أن نختم بما قاله أحد الكتاب "خبئ للقارئ دائماً في خاتمة القصة قطعة مُرّ أو حلوى.. قبلة أو صفعة، خبئ له مفاجأة ـ ولو صغيرة ـ تكون آخر هداياك له". |
31-07-2009, 02:30 | #10 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
بقلم كاظم شبيب كتابة القصة مقدمة : ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) الأعراف 176 كل واحد منا يمارس دور القاص ، بآليات مختلفة ، فعندما ينقل أحدنا طرفة للآخرين فهو يقص قصة، وكذلك عندما يصور خبرا ما على هيئة قصة ، وسرد رؤية في المنام وحادثة وقعت للمتكلم أة للآخرين وقائع السفر والرحلات وغيرها من الصور. وقد مارس آباؤنا وأجدادنا دور القص من قديم الزمان لذا نجد أن معظم ما نقل إلينا من الموروث الاجتماعي والديني والثقافي كانت إحدى آلياته المؤثرة والفاعلة هي القصة . ويعود تاريخ القصة إلى بداية وجود الكائن البشري على الأرض ونجد ذلك على صفحات الكتب السماوية كالقرآن والتوراة والإنجيل حيث تحتوي على آلاف من القصص التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقائدية بين طياتها . ولدى كل مجتمع إنساني موروث متراكم من القصص التي تعبر عن تاريخه وبطولاته ، هزائمه وانتصاراته واقعه وأحلامه أحاسيسه وانفعالاته أفراحه وأتراحه تمنياته وانحساراته حتى أصبح لدى بعض المجتمعات مكانة خاصة للقاص والقاصين فالحكواتي على سبيل المثال له في المجتمع الشامي وبلاد الهلال الخصيب مكانة معنوية وموقع للجلوس يؤدي من خلالهما دوره كقاص وفي مجتمعاتنا الخليجية نجد مسميات أخرى تعطي ذات النتيجة مثل الخرافة ، السالفة ، الحكاية ، وتنتهي جميعها إلى معنى واحد مشترك هو القصة . ولايخفى على أحد بأن النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى القصص . · القصة والأدب : القصة هي إحدى الفنون الأدبية لها أدواتها وشرائطها وأغراضها وتركيباتها وأشكالها الخاصة بها كما للشعر والمقالة والمسرح والخطابة ذلك . وكما أن لكل فن أدبي بحوره وأنواعه كذلك للقصة ففيها الملحمة الروائية والرواية والقصة الطويلة والقصة القصيرة وقد يطلق البعض على الأخيرة مسمى أقصوصة. فالملحمة الروائية _ من حيث الكم _ تتكون من عدة مجلدات أو أجزاء مثل الحرب والسلام للكاتب الروسي تلستوي وهي من 4 مجلدات ، وثلاثية نجيب محفوظ ، ومدن الملح للكاتب العربي عبدالرحمن منيف وهي من 5 أجزاء ، وكذلك ألف ليلة وليلة ، وقصة فيروز شاه ابن الملك ضاراب ، وقد يطلق البعض علىهذه الملاحم اسم الرواية . أما الرواية من حيث الحجم أيضا فتتكون غالبا من جزء واحد بينما القصة الطويلة هي التي لا يمكن أن نقول عنها قصة قصيرة لطولها الواضح ، والقصة القصيرة عكس ذلك. · القصة القصيرة : تعبر القصة القصيرة عن لحظة الزمان أو لحظة المكان ، أو كلاهما بما في تلك اللحظة من علاقة وثيقة بما قبلها أو بما سيأتي بعدها وبما يحيط بها فتختزل فيها الأشياء الزمان والمكان والشخوص والحوار والحدث في نقطة واحدة ، تتمحور حولها كل الظروف . والفرق بين الروائي والقاص كالفرق بين ممارسة السباحة في البحر للراوي وفي بركة السباحة للقاص . وقد تحتوي الرواية على مجموعة من القصص المتصلة ببعضها البعض ، فتتراكم لتعالج موضوع واحد أو مواضيع متعددة ضمن سياق دائرة معرفية واحدة بينما القصة القصيرة تعبر عن جزئية صغيرة قد يراها الكاتب مهمة في وجدانه أو الوجدان الاجتماعي والثقافي أو كما يقول الكاتب تركي السديري ( القصة القصيرة تعبر عن ومضات يختزلها القاص ولا تحيط به ) يقول الروائي صبري موسى ( إن القصة القصيرةهي أكثر الأشكال ملاءمة للتعبير عن الحياة اليومية المتدفقة لأن ما تحققه القصة القصيرة إنما تنجزه بواسطة التوغل في تفجير لحظة ما أما الرواية فهي تمضي بشكل هادئ ثم لا تلبث أن تحتشد وتعتني حتى تتسلل بمادتها إلى القارئ لتمتعه وتستثير قدرته على التفكير والتأمل ) . وتستلهم القصة القصيرة كفن أدبي من كل فن ادبي عنصرا أساسيا فتجتمع العناصر وتظهر في صورة إبداعية قصصية جميلة لها مذاقها الخاص في عقل ووجدان المتلقي فهي ( فن يجمع كل الفنون ففيها من القصيدة بناؤها وتماسكها وفيها من الرواية الحدث والشخوص وفيها من المسرح الحوار ودقة اللفظ واللغة وفيها من المقال منطقية السرد ودقته وهي بذلك تأخذ من كل فن أدق وأجمل ما فيه لتقدم لنا إمتاعا فنيا راقيا " ولا تتوقف العناصر المشتركة بين القصة القصيرة والفنون الأدبية الأخرى عند ذلك بل تشترك معها أيضا في العناصر الرئيسية للأدب كالعاطفة والخيال والمعاني ونظم الكلام وتنفرد بخصوصياتها المكونة لها مثل الشخوص والحبكة والبناء والحوار …إلخ . قد يشتبه على البعض عند الكتابة في لبغرض من القصة القصيرة مما ينحو بها إلى فن أدبي آخر كالمقالة بينما لكل واحد منهما المقالة والقصة القصيرة أدواته وأغراضه فالاتجاه بالكتابة في أسلوب المصلح أو المرشد الاجتماعي عمل قد يكون مقبولا في المقالة ولكنه في الدوات والعناصر والأسلوب غير ممكن في القصة القصيرة وكما هو أيضا مقبول في الإرشاد الديني بلغة الخطابة ولكن لا يمكن حمل ذلك على القصة القصيرة وطبيعتها . · القاص والقصة : لا نستطيع خلق قاص أو قصة بمجرد العزيمة والنية لأن ذلك حصيلة إبداع وتراكم تجربة ذاتية ناضجة متنوعة ومحيطة بما حولها مدركة التناقضات الجارية في الحياة اليومية فتتجسد كفكرة يتفاعل معها الكاتب فتختمر في العقل والوجدان ليعبر عنها على شكل حروف وكلمات وأسماء وأفعال ثم ترتص في جمل فعلية واسمية لتخرج على هيئة فقرات مترابطة ومتفاعلة لتعلن عن وجود قصة لها بداية ووسط وخاتمة أو كما يسمى لدى بعض النقاد التقليديين مقدمة وعقدة وخاتمة . وعليه فإن نقطة الانطلاق لبداية القصة ونهايتها هي الذات ، فكاتب القصة إذا راقب الدنيا بعينيه وأصغى لأصوات مخلوقاتها وتلمس الأمور والأشياء ببدنه وتشمم روائح الأشياء والأحداث بأنفه وتذوق حلو الحياة ومرها بلسانه وتحسس الفضاء والطبيعة بوجدانه وعرف إنسانية الإنسان بعواطفه ثم استطاع أن يعبر عن كل ذلك بالحروف والكلمات والجمل والفقرات عن قناعة وإدراك وتفاعل فهو يكتب قصة حقيقية يتفاعل ويتعاطى معها المتلقي . يحتاج الكاتب القاص الناجح والمبتدئ إلى القراءة القصصية الدائمة مما يسهم في تطوير تقنياته الأدبية ويقنن إطاراته القصصية ، ومعرفة تلك التقنيات والأطر عند المدارس القصصية المختلفة الأمريكية والأوربية الروسية والشرقية العربية بأنواعها تنمي المعرفي والتجريبي للقاص وبالخصوص إذا كانت غير محصورة القراءة في نوعية واحدة كالقصص الغرامية والبوليسية التاريخية والفنتازيا الاجتماعية والمغامرات . وتكتمل هذه القراءات إذا رافقها بعض المطالعات في نقد القصة والرواية وبذلك ستتكون لدى القاص دائرة معرفية واسعة في الذات للانطلاق منها في الكتابة وتترسخ هذه المعارف إذا ما حاول الكاتب إعطاء نقده الخاص الشخصي في كل ما يقرؤه . ويحتاج كاتب القصة أيضا إلى اقتناء كشكول دائم كآلة لا يستغني عنها في مسيرته الكتابية يكون بمثابة معجم للمفردات والجمل التي صادفته وأعجبته ومسجل للمناظر الملموسة والمحسوسة والمسموعة التي اعتصرته وعانقته في لحظات محددة ومصور لوقائع يمر بها بما فيها من عواطف وانفعالات وهوقيد لآراء فيما يقرأ وتقرير لأوصاف الشخصيات المتنوعة ممن يقابلهم ولهم تأثير على الناس سلبا وإيجابا وقد يحتوي الكشكول على مقتطفات من الصحف والأخبار المتنوعة مما يلفت انتباهه وكما يقول ولسن ثورنلي وهو من أشهر الخبراء في تدريب القصة القصيرة في مدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية " كل كتاب القصة تقريبا الذين يناقشون فنهم يتحدثون عن دفاتر ملاحظاتهم كشيء لا يمكن الاستغناء عنه " ولكن وبالرغم من العناصر الموضوعة لكتابة القصة القصيرة ووجود مواصفات للبناء وخصائص للأغراض إلا أن ذلك كله لا يقيد الكاتب عن الإبداع في إنتاج قصص مشوقة لا تعني الجمود عن حدودها بل تهذيب الكتابة وإرشادها وهذا ما عناه الروائي والناقد ادوارد الخراط عندما تحدث عن الإبداع بقوله " ليس في الأدب أو الفن قانون مسبق جاهز يطبق سلفا " |
31-07-2009, 02:34 | #11 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
-------------------------------------------------------------------------------- لمحات في أسلوب كتابة القصة القصيرة عماد مطاوع – أحمد زين للقصة القصيرة عناصر هامة تتضافر وتتشابك لتخرج في النهاية هذه التركيبة الإبداعية الإنسانية، ولا نزعم أن هناك من يمكنه أن يضع "أسسًا" للفن؛ حيث يميل الفن إلى التنافر مع التأطير ومحاولة الاحتواء، لكننا نحاول مجرد الوقوف على أهم عناصر وتراكيب فن القصة القصيرة، الذي يضفي مزيدًا من الجمال على تكوينها. انطلق "أدجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تُقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال، وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات. وقال "هيدسون" بأن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. ويرى "شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية. بينما يلتقي الناقد الأيرلندي "فرانك أكونور" (Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني". وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات؛ فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة؛ ليستنتج منها تعريفاً شاملاً.. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة. فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص؛ فالأجدر أن يكون جامعًا؛ لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها؛ فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية، ولِم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص، ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟ وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة. لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي، ويبدو حشوًا يرهل النص، ويضعف أثره الجمالي. أما كونها قطعة من الخيال؛ فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها. إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب.. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة -ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة؛ فقال موفقاً بينها جميعاً: "وبالإجمال نستطيع القول: إن القصة القصيرة تتناول قطاعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ، وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية". والقصة لغة: "أحدوثة شائقة. مروية أو مكتوبة، يقصد بها الإقناع أو الإفادة"، وبهذا المفهوم الدلالي؛ فإن القصة تروي حدثاً بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية، أو الكتابة، ويقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخييلية والواقعية. والقصة عند الكاتب الإنجليزي "هـ. تشارلتون" H.B. TCHARLETON إن لم تصور الواقع فإنه لا يمكن أن تعَد من الفن. عن الحدث إن القصة القصيرة لا تحتمل غير حدث واحد، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه، ولا يدهش القارئ إذا انتهى من القصة، ولم يعثر بها على حدث؛ إذ يمكن أن تكون مجرد صورة أو تشخيص لحالة أو رحلة عابرة في أعماق شخصية، لكن لأن القصة القصيرة -على خلاف الرواية- عادة ما تركز على شخصية واحدة تتخذها محورًا ومنطلقًا، لا بد أن يكون هناك شخصيات أخرى تقدم خدمات درامية لهذه الشخصية، كما تتكشف لنا من خلال هذه التفاعلات والاشتباكات. ولهذا تتضح أهمية الحدث وأهمية أن يكون فعلا قويًا شديد التركيز والسلاسة وشديد التعبير أيضًا عن الحالة النفسية لأبطال العمل؛ لأن القارئ إذا لم يجد هناك حدثًا هامًا وفاعلا فسينصرف عن متابعة العمل؛ إذ إنه فقد الحافز المهم وهو الحدث.. إن الحدث هو ما يمكن أن نعبر عنه في أقل عدد من الكلمات.. والحدث ببساطة يمكننا أن نعرفه من خلال محاولتنا التعبير عن فحوى القصة في أقل عدد ممكن من الكلمات؛ ففي قصة الفاركونيت يمكننا أن نقول: إن الحدث هو: اعتقال رب أسرة، والقلق الذي يسود هذه الأسرة الصغيرة.. أما في بيت من لحم فإننا نستطيع القول بأن الحدث بها هو الرغبات المكبوتة المحتدمة داخل النفس البشرية، أو أن نقول: "ظل رجل ولا ظل حائط"، كما يقول المصريون.. ونختم بمقولة آندروسون إمبرت -الناقد الأرجنتيني- حين يتحدث عن: "وحدة نغم قوية وعدد قليل من الشخصيات، وموقف نترقب حل عقدته بنفاد صبر، ويضع القصاص نهايته فجأة في لحظة حاسمة مفاجئة". التكثيف والاختزال يبدأ بناء القصة القصيرة مع أول كلمة، ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه، فإن هذه البداية تحمل الكثير من رؤية العمل وروحه؛ فيجب أن تكون البداية مشوِّقة محفزة للقارئ أن يواصل القراءة ليرى ما هي حكاية هذه القصة. يجب أن يكون العمل متماسكًا مكثفًا متخلصًا من السرد غير اللازم الذي يصيب العمل بالترهل، وربما كانت مقولة يوسف إدريس خير دليل، عندما قال: "إن القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة"، ولهذا يجب أن يكون العمل متماسكًا في وحدة عضوية شديدة، وأن يكون محكم البناء، وأن يمسك الكاتب بعناصر الكتابة جيدًا حتى يستطيع أن يفرغ على الورق كل ما يدور بداخله بدقة وصدق ليضمن وصوله إلى القارئ في سهولة وصدق أيضًا؛ ولهذا يجب أن تكون البداية والنهاية والحدث على درجة عالية من التكثيف والتركيز. لا مجال في القصة القصيرة لأي كلمة لا تخدم الهدف الأساسي للكاتب، وليس معنى ذلك أن الكاتب يكون قد حدد لنفسه هدفًا واحدًا تصب فيه فكرة قصته.. ولا يسعه الخروج منها أبدا، لكن الأمر يتلخص في وحدة الحالة الشعورية عند الكاتب التي تؤدي إلى أن القارئ بعد انتهائه من القصة يصل إلى أن النهاية التي وصل إليها الكاتب لا يوجد في السياق إلا ما يخدمها فقط؛ فـ"إدجار آلان بو" يصفها قائلاً: "يجب ألا تكتب كلمة واحدة لا تخدم غرض الكاتب". ويمكن أن نلمح هذا التكثيف والاختزال في القصص المعروضة في أروع ما كتب؛ حيث تلاحظ في غالبيتها أنه لا وجود لوصف لا يخدم غرض الكاتب، كما لا توجد شخصيات يمكننا حذفها دون إخلال بالسياق.. وأرقى صور الاختزال والتكثيف هو الاختزال على مستوى اللغة؛ فقدر الإمكان يجرد الكاتب لغته من كل ما لا يخدم غرضه الفني.. الزمان والمكان في القصة القصيرة في القصة القصيرة يمكن باستخدام أسلوب ودلالة ما أن أوضح كثيرًا من العناصر مثل الزمان والمكان.. فيما يخص الزمان فإن تحديد حقبة تاريخية معينة -بداية القرن التاسع عشر مثلا- كفيلة عند ذكرها في القصة أن تنقل المتلقي إلى عالم آخر، وكفيلة وحدها -إن أراد الكاتب- أن تنتقل بالمتلقي إلى عالم خاص من التعليم الديني والورش والصناعات الصغيرة والهدوء الذي يلف الناس.. والآمال المتواضعة والأحلام البسيطة و… إذن فالزمان وحده أضاف أبعادًا لا متناهية على القصة، ومثال آخر حينما يتحدث الكاتب عن الثالثة بعد منتصف الليل فإن ذلك ينتقل بالمتلقي إلى الرهبة والخوف والأعمال غير المشروعة، وبائعات الهوى واللصوص، أو المؤمنين وسبحاتهم، أو الأم القلقة على وليدها المريض أو الزوجة القلقة على زوجها الذي تأخر. أما بخصوص المكان فمن خلال استخدام أدوات القص يمكنني أن أعرف ماهية المكان الذي تدور فيه أحداث القصة؛ فهل هو مكان مغلق، محدود بجدران وسقف، أم مكان مفتوح غير محدود بشيء؟ هل هو على شاطئ البحر أم على ظهر طائرة؟… إلخ؛ ولهذا دور مهم في تهيئة الجو الخاص للتلقي، خاصة إذا كان القاص يمتلك أدوات الوصف بشكل جيد. والزمان والمكان مرتبطان كثيرا في العمل القصصي؛ ففي المثال الذي أوردناه عن الزمان: الليل، فلا يمكن للمتلقي أن يركز في اتجاه قصة ما لم يعرف أين مكان هذا الزمان: في شارع مظلم، أم في شقة متواضعة، أم في وكر لعصابة؟ وبتطبيق ذلك على قصة الفاركونيت نستطيع أن نقول: إن هذه الجملة الافتتاحية التي تحدد الزمان "هدير السيارة يزعج صمت الليل" استطاعت أن تنقلنا إلى عالم القصة فورا وتدخلنا في أجوائها.. الرمز في القصة القصيرة يلجأ كاتب القصة لاستخدام الرمز في حالات عديدة، منها مثلا: إذا كانت قصته تدور في فلك الرمزية أو تجنح إلى الفلسفة والغيبيات، لكن الحالات التي يلجأ فيها الكاتب إلى الرمز مضطرًا هي عندما حينما يتصدى الكاتب لنوع من القهر، وخاصة عندما يواجه "بالتابوهات" الثلاثة التي تقف أمام أي كاتب، وهي (السياسية، الدين، الجنس)، وهناك كتاب كثيرون استطاعوا التعامل بذكاء مع مثل هذه "التابوهات"، وربما كان أكبر مثال على ذلك في تاريخنا الأدبي هو كتاب "كليلة ودمنة" للحكيم "بيدبا"، وهو مجموعة من الحكايات -القصص- تحكي على ألسنة الطير والحيوانات، لكنها في الأساس تقدم نقدًا لمجتمع المؤلف وقتها. ولما كانت القصة القصيرة هي أكثر الأجناس الأدبية تفاعلا وتأثرًا بغيرها من الأجناس فلقد استفادت بالكثير من أدوات المسرح مثلا كالظلال واللعب بالأضواء، وأمثلة أخرى كثيرة لأهمية استخدام الرمز في القصة القصيرة، لكن الأكثر وضوحًا أن اللجوء للرمز بشكل مفرط يضيع الكثير من جماليات العمل الفني، خاصة لمن هم على أول الطريق الإبداعي. لكن الأمر المؤكد أن الكاتب الذكي اللماح يستطيع أن يثري عمله إذا اعتمد على الرمز، وتحولت كل مفردات العمل إلى "حمالة أوجه" تحمل وجهًا ظاهرًا للجميع، وآخر أعمق لا يدركه إلا المتذوق الجيد، وهو ما يمكن أن نطلق عليه: تعدد مستويات النص.. وعلى سبيل المثال فقصة الفاركونيت تحوي عددا من الرموز التي تثري العمل؛ فالسيارة الفاركونيت رمز للسلطة الغاشمة.. والرجل ذو السيجارة رمز للظالم غير المكترث، والمدرسة التي لا يفتأ الطفل يرددها رمز للبراءة والطفولة والصدق.. والبناية السكنية ككل هي رمز للمجتمع المغلق الذي ينتظر أفراده السَوْق إلى المذبح.. أما في بيت من لحم فيتجلى الرمز في الدبلة التي أصبحت رمزا داخل العمل لعملية اللقاء المادي بين الرجل والمرأة |
31-07-2009, 02:36 | #12 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
ما هي القصة القصيرة؟ عماد مطاوع ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لذلك الفن المراوغ شديد التعقيد، شديد الجمال في آن واحد، ألا وهو القصة القصيرة... وإذا كان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها. والقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة، والقص كظاهرة إنسانية نشاط ينشأ بالضرورة ويتطور منذ طفولة الإنسان، وهي كظاهرة قد وجدت منذ وجدت المجتمعات الإنسانية المبكرة لتلبي حاجات نفسية واجتماعية، ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها "نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع"، أو هي "حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية". لكن طبيعة القصة القصيرة أنها مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر -بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا- وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قال "موباسان": "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده"، وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث؛ لأنه يلائم روح هذا العصر، حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة. والقصة القصيرة تروي خبرًا، وليس كل خبر قصة قصيرة ما لم تتوافر فيه خصائص معينة.. أولها أن يكون له أثر ومعنى كلي، أي تتصل تفاصيله وأجزاؤه بعضها ببعض، بحيث يكون لمجموعها أثرًا، كما يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية، حتى يكون هناك ما يسمى بالحدث. ولقد افترض الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو محددا للقصة القصيرة عندما قال: "إنها عمل روائي يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين"، وربما كان ما يسعى لتعريفه هو "أنها يجب أن تقرأ في جلسة واحدة". لكن يبدو التعريف الأشمل هو الذي يطرحه د. الطاهر مكي – الناقد الأدبي هو أنها: حكاية أدبية – قصيرة، وبسيطة الخطة- تحكي حدثًا محددًا طبقًا لنظرة رمزية -الشخوص فيها غير نامية- تُوجِز في لحظات أحداثًا جسامًا معتمدة على مبدأ التكثيف فكرًا ولغة وشعورًا مما يمكنها من النجاح في نقل دفعة شعورية فائرة. وعرفها "كالدويل" و"تشيخوف" و"كاترين آن" وغيرهم تعريفاتٍ أخرى متأنية ومتضادة، وبهذا يتضح أن هناك اختلافًا شديدًا في الوقوف على تعريف للقصة القصيرة، وربما تكون هذه هي طبيعية الفن عمومًا، حيث يسلبه التعريف القسري المقياسي روعته وبهائه. لكن يمكننا أن نخلص إلى أن القصة القصيرة كانت ولا تزال أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر لأنها انتقلت بمهمة القص الطويلة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من حوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو زاوية واحدة من زواياه، ورصد خلجة واحدة من خلجاته، أو ربما نزعة صغيرة وتصويرها تصويرًا مكثفًا خاطفًا يعجز العقل الإنساني أحيانًا عن متابعتها، وبهذا يتضح أن القصة القصيرة سيسلب منها الكثير إذا وضع لها تعريف ثابت ومؤطر، حيث إنها تستفيد من كل الأجناس الأدبية وتتفاعل معها، ويبقى شيء هام.. هو أن القاص المبدع –الجاد- هو وحده القادر على شكل وصياغة هذه القيمة الإبداعية الهامة ليعيد بلورة واكتشاف مناطق هامة ربما تكون مهملة في ذواتنا وفي حياتنا الآنية. ومن المفيد أن نختم بسماع صدى قراءة القصة القصيرة لدى الأدباء والمبدعين والكتاب فأحدهم قال عن شعوره إثر قراءة قصة جيدة: "كأنك تشرب كأس قهوة سوداء مركزة دفعة واحدة وأنت على عجل من أمرك لتترك مفعولها يفعل الأفاعيل في دواخلك الداكنة كذلك هي قراءة قصة قصيرة جيدة". |
31-07-2009, 02:38 | #13 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
رسالة إلى سيدتي القصة القصيرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السيدة القديرة / القصة القصيرة المحترمة،،، تحية طيبة خالصة من عند الله أما بعد ،،، بداية يا سيدتي أحب أن أخبرك بحبي الجم لك ، حب مكنون في صدري منذ الأزل ، غرسته جدتي في أعماقي منذ كنت أنام في حجرها الدافئ ، فتلاعب بأصابعها الرقيقة خصلات شعري ، وتقص علىّ قصصاً من بهائك – الشاطر حسن ، الذئب والغنم ، وأحياناً العم جحا ، وأمنا الغولة – والآن وقد كبرت وكبر معي الشاطر حسن ،وانتهت أحلامه ومغامراته ،تزوج من الأميرة التي عبر من أجلها البحار ولاقى الأهوال ، و هرم الذئب فلم يعد يقوى على أكل اللحوم ، فقد حظره الطبيب من الإكثار من الدهون لأنها – ستلبك - معدته الضخمة ، والالتزام بأكل الخضروات المسلوقة، مات حمار جحا ، والآن لا يجد ما يركبه هو وابنه ، فقدت الغولة هيبتها وأصبحت هي التي تخاف من الشياطين الصغار ، انقلبت الآية اليوم يا سيدتي ، وأصبحت الصور باهته ، اختلفت الآراء حولك ولا أقدر على سماع النميمة في حقك ، ماتت جدتي وفقدت حجرها الحنون ، فأين أجدك اليوم وسط هذا الزحام ، حاولت أن أصل إليك وحدي ، كما أوصلتني إليك جدتي – رحمها الله- في صغري فلم أجد إلا القلم ، ولكن علني أنجح في الوصول إليك ، وصولاً يرضيك ، فأنا أكتبك كالتالي يا سيدتي وأريد أن أعرف منك هل أسير على الدرب الصحيح ، الذي يجسدك ، تجسيداً يليق بك : 1- مولد الفكرة : وهذه هي الخطوة الأولى في ظهور القصة للحياة ، بل تعتبر الفكرة هي النطفة والنواة التي يتكون منها جنين القصة القصيرة . 2- تحديد الزاوية : وهذه الخطوة الهيكلية في تكوينك ، ولابد من وضوح هذا الهيكل ، ونموه أن يختمر في عقلي ، ويظهر أمامي بشكله الكامل الواضح ، لأن هذا الهيكل هو الذي سأغلف به الفكرة ، ولا يمكنني أبداً الإمساك بالقلم إلا بتحديد هذه الزاوية أمثلة: " ساحة محكمة ، عيادة طبيب ، حافلة ركاب ، منزل " . 3- الزمن صفر : وهو الزمن الذي يسبق كتابة القصة مباشرة ، فلابد من اختيار زمن مناسب لبدء الكتابة ، ولابد وأن يكون الزمن صفر مناسباً للحالة المزاجية للكاتب ، بحيث يستشعر الكاتب قدرته على مواصلة السرد . 4- البداية : والبداية هي اللحظة التي ينتهي عندها لزمن صفر ، وهي الشرارة الأولى للاستغراق في الكتابة ، ولابد وأن يحدد الكاتب استراتجيه البداية ، بحيث يختار بداية قوية ، تدفع القارئ إلى الاستمرار ، فالاستهلال هو عنوان ثان للقصة بعد عنوانها الرئيسي . 5- اختيار اللغة : منذ البدء في كتابة القصة القصيرة ، أو أي عمل أدبي يجب علينا اختيار اللغة المناسبة لجو النص ، فلا يمكننا أن نختار لغة تزغرد مع نص يعج بالبؤس والشقاء ، ولا يمكننا أن نختار لغة تولول مع نص يعج بالفرح والسعادة ، والقصة القصيرة لابد وأن يتم اختيار لغتها بطريقة مباشرة ودقيقة ، ودون تركيب أهداباً زائدة للحروف ، وذلك تمهيداً للعنصر التالي . 6- التكثيف : وهو أهم ما يميز القصة القصيرة ، ولكن للتكثيف درجات ، فيزداد مع النصوص الرمزية ، ويقل مع النصوص الواقعية ، وقد عرف الكثيرون التكثيف بأنه عملية ضغط ، وبسطره للأحداث والشخصيات ، واللغة ، للوصول للنهاية بأقرب الطرق . 7- التنوير : وهو لحظة الفهم وكشف الغموض عن النص ، ويعتبر التنوير هو معالجة لعنصر التكثيف ،وهناك نوعين من التنوير : أ – تنويراً زمنياً : وهو أن يشير الكاتب إلى حقبة معينة في قصته ، تميزت بسمات معينة قد تكشف عن الهدف من القصة . ب – تنويراً لفظياً : وهو أن يشير الكاتب إلى ألفاظ معينه يلقي بها وسط النص ، قد تكشف للقارئ عن الهدف والغاية من النص ، وتوضح الفكرة . 8- الشخصيات : لا توجد قصة بدون شخصيات ، بداية من شخصية الراوي ، الذي يسمح له أن يكون جزءاً من النص أو شخصية منفصلة عنه ، فإما أن يعبر الكاتب عن كتابته بضمير المتكلم ، فيتلاحم مع النص ، أو انه يعبر عن الغائب فينفصل عنه ، وبالقصة القصير من المستحب ألا تزيد الشخصيات عن ثلاث شخصيات أساسية ، وشخصية أو شخصيتين ثانوية ، وذلك في النصوص الواقعية ، أما في النصوص الرمزية ، فمن المستحب ألا تزيد عن ثلاثة شخصيات ، سواء حوت شخصيات أساسية أو شخصيات ثانوية . 9- الأحداث : الأحداث بالقصة القصيرة لابد وان تأتي أحداثاً أفقية ، أي أنها تسير في اتجاه واحد نحو النهاية ، سواء استخدم الكاتب السوابق الزمنية أو اللواحق الزمنية وسط الأحداث ، المهم أنها تسير في اتجاه واحد ، ولا تدخلنا في حجرات وتخرجنا من دهاليز . وداخل الأحداث عنصراً هاماً لا يظهر ولكنه إن لم يوجد فلا وجود لقصة وهو عنصر الحكي ، وهو المكون الاساسي للقص ، ولكنه يأتي متخفياً داخل الاحداث ، ولو جاء صريحاً لكانت القصة قصة بدائية ( كان يا ما كان ، ويحكى أن ) . 10- الخاتمة : تأتي النهاية بالقصة القصيرة كالعدسة المحدبة ، تلملم كل ما كتبه الكاتب في بؤرة واحدة ، ومن أجمل النهايات النهاية التي تعتمد على عنصر المفاجأة ، وبالطبع هناك أنواعاً كثيرة من النهايات سأذكر منها وليس على سبيل الحصر : النهاية الموعظة ، النهاية المفتوحة ، نهاية الاسترجاع ، النهاية المغلقة ، النهاية الجامعة المانعة ، النهاية المفاجئة ) ولكل منها شرح وافي . ومن العيوب التي يمكن ان يقع فيها الكاتب أن يجعل للنهاية ، ذيلاً يفسرها . 11- العنوان : قصدت أن آتي بهذه الخطوة بالنهاية ، لأنها خطوة إبدالية ، فمن الممكن أن يسيطر اختيار العنوان على الكاتب قبل كتابة النص من الأساس ، أو أن العنوان من الممكن أن يأتي ويحدد الفكرة للكاتب ، و من الممكن أن يختاره الكاتب بعد كتابة النص ، ولابد للعنوان أن يوظف مع النهاية ، بحيث يجعل القصة تشبه دائرة ، يبدأ رسمها من العنوان ، وينتهي رسمها بالخاتمة ، وغير المستحب أن يأتي العنوان تقليدياً ، أو مباشراً بحيث يحرق فكرة القصة ، ما أجمل أن يكون العنوان بين بين ، بين الغموض والواقعية . وبالنهاية يا سيدتي أتمنى أن تصلك رسالتي ، وأنت في أحسن حال ، دعائي لك بدوام البقاء ، وكثرة الأقلام ، وفي انتظار الرد . المخلص لك : محمد سامي البوهي |
31-07-2009, 02:39 | #14 |
عضو متميز
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
أهم الخصائص التى تميز القصة القصيرة : 1- وحدة ألإنطباع أو وحدة التأثير أى أن يكون لها تأثير واحد مهما تنوعت عناصر المادة التى تناولتها وهى تعالج موقفا واحدا لفرد واحد وتركز على وحدة زمانية واحدة 2- القصر 3- وحدة الفرد الفاعل 4- وحدة الموقف واللحظة 5- قيامها على الفعل أو الحدث 6- الكشف عن جانب من جوانب الشخصية فى لحظة التنوير ولحظة التنوير هى اللحظة التى يكتمل فيها معنى القصة ابراهيم عبد المعطى ابراهيم |
21-06-2010, 15:41 | #15 |
.
|
رد : القصة القصيرة: بين القراءة والسماع
. |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|