[كائن سردي]

كتب القاص: سمير نحيلي:

اسم الرواية : وادي العشرق [مفازة الجن]
اسم المؤلف : الأستاذ عبد الرحيم مطلق الأحمدي
صادرة عن : دار المفردات للنشر والتوزيع ـ الرياض ـ 2006م.
عدد الصفحات : 232 صفحة .
مقاس الكتاب :14×21.

استفتح الراوي عمله بتوطئة بحدود عشرين صفحة عن الوادي جعلها كمفاتيح للدخول إلى العمل أثناء قراءته محذراً القارئ ضمنياً بالربط بين الأحداث، وتعتبر هذه الـ(20) صفحة استعراضاً لقوة الراوي في جذب القارئ والسيطرة على خياله وكان له ما أراد. فالوادي كأي واد صخري لكنه جعله وادياً تموج فيه الفترات السياسية المتعاقبة على العالم العربي. فالمكان هو العالم العربي والروافد هي الخيرات التي سحقت عبر الأجيال السابقة ولم يستفد منها ونهايتها إلى البرح وبقاء الواد خاوياً إلا من ذكرياته وتضاريسه.

"فهذه صخرة الهوى وتلك صخرة الموت وهذه طربوش الباشا" حتى الصخور جعلها ذات دلالات معينة عللها بقوله "منها ما هو للترهيب والتحذير ومنها ما يرسخ حب البيئة في النفوس". عاد ليعظم من أمر الخرافة وجعلها ترتبط ارتباطاً شديداً بالموت والخوف أما شخصية "الضعيف" فهي شخصية تنتشر في عالمنا العربي تظل مسحوقة وما أن تتمكن من المال والجاه حتى يبدو عليها التمرد والانعتاق من كل الأعراف والتقاليد ويبقى هم هذه الشخصية التسلط على الآخرين وسلبهم حقوقهم وفرض القهر عليهم وقد تجلى ذلك بإطلاق النار على الناقة ولم يترك الضعفاء أمثاله سابقاً أن يستفيدوا منها هذا هو حقيقة الانسلاخ الإنساني من جلدة إلى عالم آخر.

لكن الراوي يستمر في وصف الوادي رغبة منه في إيصال المعلومة للقارئ حتى كاد يقع في فخ التقديرية " فقد مثل وادي العشرق مصدراً ثقافياً للخيال ص 15" ليته تركها للقارئ. عاد الراوي ليؤكد وجود عالم الجن وأنه لا يتعارض مع القرآن لكنه قال قبل ذلك عن الجن " لا يفضلون المشاركة في النفوذ والسلطة" هذه العبارة إحدى مفاتيح النص هل الجن يسيطرون على وادي العشرق هم جن حقيقون أم أنهم أصحاب نفوذ سلطة كجماعة مقاتلة 1000 وقبيلة 100 وتحالف فئوي..

وترى هل هو الإنسان يضع عالمه الآخر في ساعة خوفه؟ ص25" هذا الاستفسار تنطوي عليه موافق متعددة ويترك الراوي للمتلقي الإجابة في آخر صفحة يقرأها من هذا كانت قوة الحبكة والفكرة والتنوع والحدث في رواية لا يوجد فيها بطل مطلق إنما تقاسم الأشخاص البطولة وتناقلت فيما بينهم بدءاً من إنطلاق سيارات اللاندكروزر السبع مع وصف رائع لعالم الطبيعة والرحلات البرية ومع وصول الراوي إلى أول نقطة بداية لكشف التناقض الفكري في الجلسة العائلية "المشتركة" استطاع إدخال شخصية المرح بكل سلاسة وترك للقارئ مرحلة من مراحل التأمل والتساؤل. لماذا هؤلاء النخبة من المتعلمين يجلسون في أمريكا جلسة مشتركة؟ لماذا هؤلاء بعد أن عادوا لا يجلسون في منازلهم جلسة مشتركة؟ وما هو سبب اختيار هذا المكان لهذه الجلسة؟ وهل هذا المكان خرافي؟

لن أفسد على المتلقي في الإجابات ولكنني أتركه ليدلو بدلوه ورأيه فالراوي قد غار في العادات والتقاليد وبحث قضية الاختلاط من منظور اجتماعي وديني لكنه ترك الرأي للقارئ وقدم أشبه بعذر "المساكن الضيقة لا تسمح بتعدد المجالس" لكنه أظهر أن من نتائج الاختلاط القبول بثقافة وسلوك الآخر لغاية الوصول بالتأثر في العلاقات الاجتماعية العربية حتى الموازنة بين الداخل من الراتب والمصروف منه. كشف المعاناة المادية التي يعاني منها الدكتور نبيل وانتظار صندوق التنمية العقارية رغم أنه من الطبقة الوسطى مادياً والتي يعتقد البعض أنها ليست بحاجة لمساعدة الآخرين.

في الصفحة 56 وما بعدها نلحظ أن الراوي قد أغرق في السرد لتحميل المتلقي مزيداً من الرعب والكآبة وذلك الحين الذي يدور بين رغد وأمها مظهراً أن الأطفال هم الأقرب إلى التفكير بالجان ونقل صوره. في الصفحة 60 لاحظ بريق عينيه في ضوء السيارة. من المعلوم أن عيني الإنسان لا تبرق ليلاً بل الحيوانات هي التي تتمتع بهذه الخاصية وهل الجان يشاركون الحيوانات في هذه الصفة.

الكرم والشجاعة وكثير من القيم المثالية نتفاخر ونتغنى بها كعرب في مجالسنا وتارة في شعرنا، هل الكرم هي صفة متأصلة في نفس كل من يقدم الزاد إلى ضيوفه وهل يختلف هذا الزاد من ضيف لآخر. أو يرتبط العامل بمنفعة مادية كل هذه الأحداث يجيب عليها الراوي في الشيخ فلاح ويتجلى ذلك أن المناسبات قد تكون إنسانية بحتة لكنها تتحول في مجتمعاتنا إلى مناسبة لاقتناص الفرص في تصيد المصالح الذاتية." تم ذلك بانتصار الشيخ فلاح" حدث ذلك عند تهنئة الوزير بالسلامة حيث استطاع الشيخ فلاح إخفاء الأوراق التي يرغب في تقديمها للوزير وإحراجه في ذلك الموقف.

ومن القيم أو الاعتقادات التي نتناقلها في أفعالنا وأقوالنا ومعتقداتنا حتى نغدو كصوفيين فيما يدور حولنا لم يتركها دون بحث في المقدمة عندما شرح معنى "سنا مكي" وارتباطه بمكة ومن هنا تنطلق قدسية الأشياء والنباتات حتى الوصول إلى الأمكنة والتبرك بها.. وكذلك التبرك بأسماء الأشخاص هذا جزء من حقيقتنا وعالمنا لم يتركه الأحمدي دون المرور عليه "الإنسان أقوى ما خلق الله كل الكائنات الحية ترهبه وتخشاه ولكن خوفه هو سبب ضعفه". فهذه فلسفة قوية الدلالة على أن الإنسان عندما يستهين بحقه يتحول إلى أضعف مخلوق يتجرأ عليه المتمردون من بني جنسه.

ويبقى اختفاء راشد لحظة الحلم باسترجاع الأمس وهذا مستحيل وبعد هذه الأحداث المتتالية والضجة الإعلامية الواسعة والدعم الهائل من فرق البحث أن راشد لم يعد وبقي مختفياً وأحيل ملفه إلى عالم النسيان ما عدا ذاكرة الوالدين. لكن الراوي لا يتركك نهباً لأفكارك فاختفاء راشد هو اختفاء ولد في مقتبل العمر أم اختفاء جيل. ولماذا اختفاء راشد بالذات صاحب تلك الصفات النبيلة وحب الاستكشاف وشدة الملاحظة. أم أن الراوي جعل اختفاء راشد عالماً آخر تتكون فيه أحداث سردية جديدة وبعدها يعود راشد المفقود إلى عالمنا متسلطاً قوياً تدعمه قوى الجن الخارقة ويسيطر على من حوله كشخصية "الضعيّف". كل هذه الإشكالات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والتي قدمها الأحمدي من خلال روايته لكشف التناقضات التي نعيشها في حياتنا وكما يقولون تحت الطاولة وخلف الستارة. فما نفعله في الخفاء غالباً قد نرفضه واقعاً كقضية العصير والارتحال إلى ذلك الوادي لفئة متعلمة قدوة لغيرها من الأجيال تتبدل ثقافتهم وحياتهم المعيشية بين يوم وليلة ويختلف خطابهم الأدبي والثقافي ويبتادلون بينهم عبارة "ياثور" ومن خلال قراءة الأحمدي التراثية والتاريخية استطاع توظيف ثقافته في أسلوب سردي جديد يحاكي الأسلوب السردي القديم كفكرة يستنهضها لتفعيل الحديث وتدعيم الحبكة التي تمتد من بداية الرواية حتى نهايتها في عالم متناقض بين الجن والإنسان وبين الحقيقة والخيال مثقلة بأعباء الواقع المترهل بعيداً عن إيذاء مشاعر الآخر أو استغلاله كونه موضوع وصلب الرواية.

والمهم بعد هذا السرد والتداخل في الأحداث وقوة اللغة والاغراق في الرمز أحياناً والتصريح حيناً آخر "لكن الفتى لم يعد". فهل سيعود بطلاً لرواية وادي العشرق الجزء الثاني يكون البطل المطلق هو راشد وتختفي كل الشخصيات الأخرى ؟!

لنترقب ذلك.
.
.

[فوزي المطرفي]

.

شكرًا كائن سردي, للمتابعة المستمرة والحضور الجميل.
ولنا بعد القراءة.. قراءة.



.

[نورهـ السبيعي]

تشوقت لقراءة الروايـة ..
شكرا ً يا كائن سردي