28-02-2013, 05:05 | #1 |
المشرف العام
|
نوف محمد الثنيان في أيام حافية تكتب بإزميل نحات محترف
أيام حافية نوف بنت محمد تكتب بإزميل نحات محترف أيام حافية نوف الثنيان تكتب بإزميل نحات محترف تتابع المؤلفة رحلتها الكتابية بشفافية الأنثى، الباحثة عن الضوء، الماضية في خضم الكلمات، لتختار الأحلى والأشف، وكأنها النور الذي يضيء ثنايا الدرب، ويمضي إلى غايته محملاً شهداً ونفحاً وورداً.هنا يستضيء الكلام بنفحه، بأريجه، بأفقه المتمادي، كأنه يريد أن يبتكر أفقاً جديداً، لنايه المعمد بالضوء والمواجهة التي لا تقبل أنصاف الحلول. تكتب على إيقاع حلمها، على صفحات نسغها، على نسيمات عالم منظور وغير منظور، وعلى خرافة الكلام الذي يتأبط شظايا اللغة ليقترف الخيانة المعهودة ويكون له ذلك النسيج الخصوصي. لا تكتب لكي تكتب، بل لكي تعمد حبرها بنصاعة البيان، وشغف الأحلام، ورونق الانشاء المرسل، كأنها تريد أن تعطي الكلام ما يشاء من زخرف وما يشاء من صعود إلى غياهب الجمال المحتملة. هناك يشع جمال يتسلل بين المفردات كأنه ذلك اللغز الذي يتخطى حدود المرئي إلى اللامرئي، أو كأنه ذلك السحر الذي يتجلى ليبدد ما في المكان من ظلمة وعتمة. نص يقترب من الذات يخترقها يغوص في أعماقها يلهث وراء قضاياها يشرئب لاستحضار معادلات لا تتغير، يواجه هذا الجدار السميك، يصدّع العادات والتقاليد، يتصدى للزيف المتراكم، وللدجل المقنع لكأنها تريد أن تعري الواقع، وأن تكشفه على حقيقته بكل ما فيه من خراب، وكل ما فيه من عوسج مهجن. تطل نوف محمد كنجمة بيضاء في فضاء يزدري السواد المحيط، وفي عالم يتلوى في عنق الزجاجة باحثاً عن مخرج، أو عن رؤيا، أو عن مجال آخر، ليواصل السفر في بقايا الذات المتلألئة على وقع السنابل التي تأبى الإنزلاق، إلى محيط لا يراعي نقاوة اخضرارها. تطل في "أيام حافية" الصادر عن دار "بيسان" مدججة بكل ما يحمي أيامها من الارتهان إلى ما هو عادي أو مألوف لكأنها تريد لهذا النمط الابداعي أن يتحدى الصمت أو أن يصوغ رؤاه تجليات تخترق السكون الذي يفضي إلى استرخاء مخيف. سيدة تتلوى على عتبة الجمال، تنحني لخرافته المطلقة، وتأخذ منها ما يحلو لها من إبداع، لا لينحفر اسمها عميقاً في خارطته البيانية بل لكي تعطي لتميزها تلك الخصوصية التي تليق بها. سيدة "الأيام الحافية" هي نفسها سيدة الأيام التي تأخذ من تفاصيل الواقع ألقها وضوءها وبياضها الذي يلتهب طهراً يحرك ما في الأحشاء من نشيج، يضيء معالم البحر الإبداعي الذي تستغرق فيه. سيدة "الأيام الحافية" تنصهر في سنها يديها، لتعطي الآخر شيئاً من ضوئها، أو شيئاً من حلمها، الذي يعرف كيف يستعيد زمانه المنسي، ومكانه المشتت ونسغه الصاعد نحو أريجه الفاغم الذي يتكامل مع ايقاع الوصول إلى تلك الأرض التي لم تكشف بعد. تكتب نصها القصصي بعفوية بالغة، بنار شغفها الذي يتألق على ضوء سحابة تقترب، لتملأ المكان أريجاً وعطراً وغيثاً يتجلى على ايقاع أقدام حافية، وعلى تجليات ابداع يرتقي ليصل إلى تلك السدرة التي نحب. تكتب كمن يغوص عميقاً في تشنجات الواقع في خرابه العتيق، في تساؤلاته الملغّزة، في اختراقاته النابية، وفي عرين شهواته الفاضحة، وفي نزقه الخاوي وفي صورته المزيفة التي تظهر عكس ما تضمر، والتي تنكشف أمام هبوب اللحظة الأولى وأمام الخطوة الحاسمة. لا تريد لعرينها أن ينكشف، ولا لضوئها أن يخبو، ولا لحملها أن يتعثر، ولا لنايها أن يكف عن الغناء، لكنها تريد ان تعري زيف الواقع، أن تكشف خباياه، أن تفضح أسراره، أن تطلق رصاص الرحمة على شوائبه، وعلى سلوكه في الخفاء الذي يتناقض سلوكه في وضح النهار، وكأنها تكتب لا لكي تكتب فحسب، بل لكي تعطي سفر الوجود رؤية يضمخها الجمال المنصهر، في خفايا عالم يتأرجح بين السقوط وبين الاستمرار على السقوط. قاصة لا تكتب من أصداء الذاكرة، بل من أصداء "أيام حافية" إلا من الخطأ والخطيئة، وكأنها تريد أن تسجل بصمتها المعترضة على ما يجري بحبر الأنثى التي تقول ما تريد أن تقول بشفافية لافتة، وبعطر يفح منه زبد الكلام، ورونقه الجميل. بمهارة بالغة تمرر القصة تلو الأخرى، وكأنها تلقي على مسمعك شيئاً من الحكايا التي لا تشبه الحكايا، الحكايا التي لا تعرفها جدتي أو جدتك والتي تنساب على وقع المعنى، كأنها تأخذ من تتابع السرد البسيط رونقها المنساب تجليات، تصدم القاريء بإيقاعها غير المألوف، وغير المتوقع. تأتي نوف محمد إلى الكتابة من موقع الأنثى الملتزمة، الأنثى الغائرة في خرافة الكلمات، التي تتسلق جدار البوح، لتكشف المستور أو لتعري زمان الزيف، المهيمن كأنه الحقيقة التي لا تعرف غير الغوص في ركام التأملات وفي هباء التوهمات. تنسج نصها القصصي على طريقتها، على هواها، تخرج علىالتقاليد. لا تلتزم بالقواعد، بالأصول، بالهوامش أو بالمتن، بل تكتب ما يحلو لها، لتصل إلى الغاية المنشودة، أو إلى ربيعها الذي ينتظر، ليعطي السياق القصصي بياضه الطاغي وبساطته الأنيقة. الكتابة الأرقى هي التي يعاقرها المرء في لحظات شدوها القصوى، وهي التي تجعل من الكأس بيرقها الذي يتهادى على وقع الكلام المنثور في أروقتها درّاً وياسميناً. الكتابة هي البحث الدائم عن الجمال، الذي لا تستطيع الإمساك به، بسهولة ويسر، وكأنه الزئبق، كلما أحسست أنك أمسكت بناصيته، ينفلت خلسة منك، لتعاود الكرة مرة ومرات ولكي تتمكن من الصعود إليه، والتحليق في شهاب فضائه البعيد. نوف محمد هي اللغة الباحثة عن الجمال، الجمال الذي أضحى قبض يديها، لكنه يباغتها خلسة ويمضي إلى بواطن أنسه الدافىء، ليعود إليها ثانية أكثر نضارة، وأكثر تمرداً واستغراقاً في خفايا حسها الشفيف. تقترب من نار الكلمات، لا تبدع غير حبها للأرض، والوطن والناس، كأنها تبتغي الكمال حيث لا كمال، وتعشق الجمال حيث لا جمال، وترجو الوصول إلى ذلك المكان الرفيع، في زمن أمسى اللاوصول هو القاسم المشترك بين كائناته وبين وروده التي لا تعرف النوم، ولا تعرف الارتهان لنفح لا ينسكب خصباً ولا يتجلى برقاً ولا يواجه الذبول الذي يتهادى في بحار لا يغادرها الموج، ولا تصل اليها الشطآن، لكنها تريد أن تقبض على ملكة الكتابة وأن تجعلها في سباق مع الريح ومع الزمن. تكتب بهدوء الواثق أن نصه سوف يصل وأن ضوءه سوف يسطع، وان نفسه القصصي سوف يخترق السائد، لينسكب رؤية أخرى لهذا السياق المتشح عطراً، يشع على صدر الكتابة، لينكشف أمامها، وليكشف ما تجمع في قاعها العميق، وفي ذاكرتها المنسية على أدراج التيارات البائدة، والتيارات السائدة، والتيارات التي لم تتحرر من التماثيل المزروعة في الساحات حواجز تعيق دورة الابداع، وتحول دون بلوغه الغاية المشتهاة. تطرح العلاقات العاطفية اليوم على ايقاع التطورات التكنولوجية، وعلى ايقاع التباينات القائمة بين الحاضر والماضي، وعلى ايقاع عصر السرعة الذي نعيشه بكل ما فيه من انعكاسات سلبية تطيح بمرايا العشق، وبثنايا دفئه الجميل، فالحب لم يعد موقفاً مبدئياً ومصيرياً بل أمسى علاقة سريعة جداً جداً، لا تلبث أن تبدأ حتى تنتهي وكأنه البرق الذي يشع لحظة ثم يختفي إلى الأبد "حين اخضرت الإشارة دخلا معاً في قصة حب تبدأ من الظلال وتنتهي بانتهاء الشحن في هاتف أحدهما". لكنها في "أيام حافية" لا تجعل من الحب طريقها الوحيد إلى الكتابة، إلى الابداع، إلى ابتكار ذلك الألق بل تدخل في متاهة العلاقات الطبقية فتنحاز إلى الفقراء، الذين يضّحون بكل شيء سعياً إلى سد الرمق، والذين يغامرون لأجل الحصول إلى دُريهمات "لا تكفي لشراء مرهم علاج الحروق" والذين لم ينصفهم المجتمع، ولم يبتسم لهم القدر، لكي يتجاوزوا هذا الواقع الآثم، وهذه الحياة التي لا تعرف سوى التأوهات الموصولة بالنسيج الدائم. تتوغل الكاتبة نوف محمد في نسيج العلاقات الأسرية غير السوية، فاضحة أسرارها، وكاشفة خباياها، ومعلنة الاشكالات التي تحكمها، والتي لا يمكن أن تسوى إلا بقدرة قادر، فالابن مهما كان محباً لأمه إلا أنه لا يستطيع أن يتخيلها مستغرقة في الغواية، من قمة رأسها إلى أخمص القدمين، ولهول المفاجأة لا يستطيع الإمساك بنفسه، فيفضحها أمام الآخرين، لكن هذه الفضيحة لا تعنيها وحدها، بل تعني أيضاً كل من يمت إليها بصلة، أما الأم وعلى الرغم من موقف ابنها السلبي منها فتظل على حبها له، وتظل على شغفها به، وتظل تراه الوجه الأرق والأجمل، الذي يضيء على الرغم من استغراقه في العتمة "ادرك كم أنا مخطئة حين أغراني الحرمان المتفشي في جسدي، وقادني الفقر العاطفي إلى طريق الغواية، ولهذا جئت فقط لأتلمس وجه الجنين الذي انجبته، لأعرف كيف له أن يكون ابني". ربما كان هناك جدل عميق وعقيم في الآن نفسه حول زواج المسيار أو غيره، وهذا ليس بجديد، وربما يكون هناك من يؤيده بشدة، أو من يعارضه بحماس بالغ، لاعتبارات شتى، لكن لا أحد ينكر أن هذا الزواج موجود وقائم وله جذوره التاريخية والدينية. وهناك من يعتبره زنى، وهناك من يعتبره زواجاً شرعياً بكل ما في الكلمة من معنى، وبما أننا نحن لسنا في معرض مناقشة آراء القاصة التي نحترم فهي حرة في كل ما تعتقد، ولا شك أنها مقتنعة قناعة تامة بكل ما تطرح، ولهذا لن نتوقف عند هذه المسألة، فهذا شأن خاص، يهم صاحبه ليس إلا، لكن عرض موقفها من موضوع هذا الزواج هو الأمر اللافت، لأنه يجعل القارىء منحازاً، بكل جوارحه إلى ما تطرح، لأنه لا الدين ولا الأخلاق ولا الأعراف تشرّع الزنى، أو تتقبله، أو تتعايش معه تحت أي عنوان كان، بل هناك رفض كلي له، باعتباره خروجاً على كل القيم والمثل التي تقوم عليها مجتمعاتنا. زواج المسيار في عرفها استثناء يفتقد إلى مقومات الجمال، وإلى السكينة المطمئنة وإلى حلاوة الحلم الذي لا يجيد التجلي ولا يتقن فن التحليق. تغوص القاصة عمقاً في خفايا الذات التي تمارس الفضيلة جهراً والرذيلة سراً، فالمرء يختزن تناقضاته في أعماقه بكل ما فيها من شوائب. تمعن نوف في كشف زيف الحياة الزوجية القائمة على الغدر والخيانة لا ترحم المرأة، التي يفترض أن تكون المثال والقدوة، والشوق العارم إلى الفضيلة وإلى التضحية من أجل الأولاد والعائلة ومن أجل حياة هانئة لا يعتريها شك أو شكل من أشكال القصور. وإذا كانت تنتقد بشدة المرأة الخائنة، فإنها لا تقصر مع الرجل القاسي الذي خلا قلبه من الرحمة، وعقله من الفطنة، وسلوكه من الإحساس بالآخر. هذه النوعية من الرجال تدفع المرأة إلى سلوك يتناقض ربما مع طبيعتها الأنثوية الهادئة، أو مع مشاعرها المفعمة حباً ودفقاً عاطفياً متميزاً، فتلجأ إلى فعل القتل، لتتخلص من العذاب اليومي الذي بات لا يحتمل نتيجة لقسوة الرجل وفقدانه للحس الإنساني النبيل "قتلته نائماً بعد أن منحته السكينة بالطعام والجسد، حين فرغت من موته شقت صدره، لتتأكد أن له قلباً فيه". تنتقد العلاقة الملتوية بين الأب وأبنائه، في زمن باتت المادة تطغى على كل شيء، فالأولاد يطمعون بأبيهم وبعضهم يرجو له الموت، لينعم بثروته "حين عاد انقسم أبناؤه إلى فريقين / فريق بانتظار تابوته / وفريق بانتظار حقيبته" وهذا إن دل على شيء، فيدل على تسلل النمط الغربي إلى حياتنا، وإلى مختلف تفاصيلها حتى باتت العلاقات الأسرية بلا قيمة إزاء المصلحة المادية التي تحكم سلوكنا وممارساتنا. "أيام حافية" كتاب النقد الاجتماعي الهادف، الذي يضيء مكامن الخطأ بشفافية الأنثى، الباحثة عن الصواب، في مجتمعات عربية لا تتقبل النقد، ولا تعترف بالأخطاء. نصوص قصصية تخترق المألوف، تسرد على سجيتها، تصل إلى ما تصل إليه، بشغف كتابي حارق، وبرؤية إنسانية عميقة. تكتب القصة بنفس شعري دافق، بنبرة حادة حيناً، ولينة حيناً آخر، لكنها في كل الحالات صادقة، ومعبرة عن التوق إلى مجتمع مثالي، يتوافق وقيمنا العربية الأصيلة. تكتب القصة القصيرة، القصيرة جداً جداً، والتي لا تتعدى بضعة سطور أحياناً، لكنها كمن يكتب بإزميل نحات محترف، فتجعل الكلمات تأخذ مكانها وكأنها حفر وتنزيل. تسرد، ولا تتوق إلى الرؤية التقليدية للنص القصصي، فلا تستوقفها حبكة أو عقدة، بل تسرد وتسرد على سجيتها لتصل إلى نهاية غير متوقعة، أو إلى حلم مفتوح على احتمالات شتى. نوف محمد قاصة تعطي الشعر الحيز الأكبر في نصها، وتمنحه تلك السطور التي تجعله يحلق بجناحين شغوفين، بحثاً عن مجتمع فاضل وسعياً إلى أنثى تتقن العبور إلى بريق حلمها المتألق. الأعلامي / الشاعر لامع الحر مجلة الشراع العدد 1487 السنة الثلاثون |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 7 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 7 | |
|
|
|