من خير الكلام


آخر 10 مشاركات
ياهيني كحل بين الارماش (الكاتـب : نمرالعتيبي - - الوقت: 15:36 - التاريخ: 21-06-2024)           »          هلا بالجميع (الكاتـب : دغيفل - - الوقت: 20:59 - التاريخ: 14-11-2023)           »          اصعب سؤال (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 14:50 - التاريخ: 26-06-2020)           »          وريثة الغيم (الكاتـب : علي التركي - - الوقت: 10:37 - التاريخ: 21-03-2020)           »          الظِل.......! (الكاتـب : كريم العفيدلي - - الوقت: 23:00 - التاريخ: 26-01-2020)           »          آفـآ وآلله يـآمـجـرآك (الكاتـب : ناعم العنزي - - الوقت: 10:12 - التاريخ: 23-01-2020)           »          ثـقـوب (الكاتـب : عائشة الثبيتي - - الوقت: 10:25 - التاريخ: 17-12-2019)           »          ~{عجباً لك تدللني}~ (الكاتـب : شيخه المرضي - - الوقت: 23:39 - التاريخ: 26-11-2019)           »          تاهت خطاويه (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 08:55 - التاريخ: 14-11-2019)           »          خزامك وشيحك (الكاتـب : حمود الصهيبي - - الوقت: 22:43 - التاريخ: 08-11-2019)


 
العودة   شعبيات > > ذاكرة العرب
تحديث هذه الصفحة حبّات قمّح ..!
 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-03-2012, 16:57   #1
يعرُب
 

حبّات قمّح ..!

تخبرني أن العصافير تقفز ولا تمشي ، وحين حاولت ذلك سقطت وفي كل مرة تسقط ، فـ أحطت خصرها بيدي وأنا خلفها وهي تقفز ، حتى وصلت عند حبات القمح المبعثرة على الأرض بالقرب من نافورة في ساحة المنزل ، قلت لها هل تستطيعي الآن أن تلتقطي الحب بفمك ؟ وتأكدي أنك لن تسقطي طالما أني مازلت ممسك بخاصرتك ، ضحكت وهي بين يدي ، بكفّيها تخلصت من يدي المحيطة بخصرها النحيل ، تقدمت وخلفها نحوي ، حتى استدارت وجلست على طرف جدار النافورة .

لحظة صمت مبعثرة لم تثبت على صورة واضحة يمكننا أن نبدأ بها حديثنا ، نعم كنت أنتظر منها أن تقول ، لا أعلم في ماذا تفكر لكن ملامحها تدل على أنها تريد أن تقول شيئا ، لذلك كنت أنتظر ..

لكنها لم تتحدث بالحديث الذي كنت أنتظره ، قالت هل ستبقى هكذا وأنا أحكي الحكاية ؟
قلت لها توقعت أنك في استراحة من بعدها نكمل التقاط الحب ، أخبرتني أني وغد أطمع في ملامسة جسدها بشكل مريب ، ثم ما الذي سوف أتحجج به لولدي لو خرج علينا وأنا التقط الحب بالطريقة التي أنت تريدها ؟ قلت خبريه أنها إحدى الطقوس التي تستعيدين بها ذكرى والده .
في أحد فنادق المدينة التي أسكنها كانت لدي دورة أحضرها كطالبة ، برغم أني في عملي تجاوزت مرحلة المعلمة بكثير ، كنت أحمل وظيفة مرموقة في التعليم ، في ذاك المساء ، كان أكثر قُرباً منّي ، برغم أن اجتماعنا كان على شاشات الكمبيوترات .
استطاع أن يدخلني في عالم التوصل الحقيقي من خلال الأحرف التي يكتبها وتظهر أمامي ، كان يحدثني بكل شيء أفعله وأنا في الغياب ، حتى أن أعطاني طريقة ونبرة صوتي التي قلت له بها " تعال " ، قلتها بالطريقة التي وصفها وبنبرة صوت دافئة ، شعر بلسعاتها .
أخبرني أنه يستطيع أن يخرجني من بين تسع سيدة يحضرن معي الدورة ، كل ما طلبه هو تحديد الوقت الذي نحضر فيه ، كانت الساعة الخامسة من بعدها نتقاطر بأوقات مختلفة ، لا تتجاوز الخامسة والنصف .
دخلت من بوابة الفندق ، وجسدي يلملم بعضه خوفاً من شعور اجتاحني ، أن يداً سوف تلمسني من الخلف ، ما إن اجتزت البهو ، سمعت من يهمس خلفي بـ جملة كنت أرددها دائماً عليه " الطيور لا تغرد في المساء " ، ثم اختفى .


توقفت عن سرد الحكاية وأخذت تنظر لحبات القمح المبعثرة حول حوض الماء الذي تجلس على جداره ، تلعب بيدها داخله ، ثم تغرف منه بعشوائية تروي بها شقوق الأحجار المدكوكة على أرض المكان ، رجعت بنظرها نحوي وعيونها مليئة بالحيرة ، قالت سوف ألتقط الحب بالطريقة التي تريد لو أخبرتني ما اسم بائعة الكبريت ؟

المسافة التي تفصلني عنها لا تزيد عن ثلاثة أمتار كنت أستند لأحد أعمدة الحديقة ، خرج علينا من بوابة المنزل ولدها أحمد يسألها عن كتاب التاريخ ، وهو يقترب حمل معه كرسياً وتوجه به نحوي ، قال عمو أجلس ، ثم أمطرني بسؤال يشبه سؤال أمه ، من يكتب لنا التاريخ ؟
وضعت والدته يدها على فمها بطريقة من يحاول أن يغششك بصوت موجّه غير مسموع لمن هم حولك بطريقة مازحة ، وهي تقول ليست بائعة الكبريت ، ليست بائعة الكبريت تكررها بلغة الهمس وهي تبتسم ، نادته حبيبي عمو مشغول بحبات القمح يريد أن يزرع منها نخلة ، أرشدته إلى مكان كتابه ، تقدم بخطواته نحو الباب الذي يُخرجه من الحديقة إلى المنزل وقبل أن يضع أول خطواته نحو التعبة الأخيرة ، بصوت المنتصر قلت " إنهم الأقوياء يا أحمد " ، لم يلتف فقط رفع يده ملوحاً بها مثل الذي يقول أخذت وقتك وزيادة ، ثم أغلق الباب علينا .


حين تنكح الحياة بمتعة تُنجب لك " حياة " .
ما الذي سوف يحدثه لك شرب فنجان قهوة بسكر خفيف أو متوسط مع سيجارة في صباح شتوي ، غير أن تشعر بالمتعة واعتدال المزاج ، هل القهوة صحيح تعطيك هذا الأمر أم كل ما في الأمر مجرد شعور يحاول الكثير أن يضع نفسه بداخله أحياناً كثيرة بنوع من الغباء .

الوهم يزيّن الأشياء ويجملها في عيون الناس ، وعيون الأنثى لا تشبع أبداً ، هي تختلف عن جسدها ، الذي قد يجد الارتواء ، لمن يجيد تحريك الساقية .

في ذلك اليوم وهو تقريباً الثالث في الدورة ، أخبرني أن قادم برسالة ، وأنه سوف ينتظرني في الدور التاسع ، هناك في الممر يوجد زاوية للعابرين يستريحون فيها ولمن ضاقت به غرفة الفندق ، يستطيع أن يخلو بنفسه فيها أو يبحث عن من يتحدث معهم من القاطنين في هذا الدور ، أحياناً نبحث عن أشخاص لا نعرفهم لنسكب لهم قليلاً من حياتنا في أكواب صغيرة ، ذلك لا يمنحهم غير مزيداً من العطش ، إلا أنه يخفف من كؤوسنا ، كلما حاولت أن تنضح بشكل قد لا تتوقف فيه .
قٌبيل المغرب كان هناك ينتظر ، خرجت خلسة والناس منشغلة بحديث الدكتور ، توجهت إلى المصعد ، وحين وضعت إصبعي على رقم الدور ، شعرت بلذة الهروب من أجل رجل ، أبحث معه عن حكاية لفتاة ، تُخبرها صديقاتها في تجمع صغير يمارسن فيه بعض الشقاوة .


- في ممرات الدور التاسع -
هكذا كتبت ذات مرّة على رأس صفحة بيضاء أردت أن يكون عنواناً لقصة أو رواية ، لكن الصفحة بقيت بيضاء ، لأني لم أحصل على تفاصيل كفاية لكتابة قصة أسردها تحت اسم مجهول أو كما يقولون مستعاراً تخفيفاً ، فهي أكثر لُطفاً من مجهول ، البيئة وواقعها يجعلنا نخفي تفاصيلنا الصغيرة ، لكن الكبيرة تظهر ، لذلك لا نملك الكثير منها ، فغالباً ما نسمي حكاياتنا تلك بالصغيرة ، لأننا نستطيع أن نضعها تحت معاطفنا ونمشي بها ، نتنقل بها داخل ظلمة ونتحدث بها أيضا في الظلمة ، في لحظة ما ، تمنيت أن لو أنني صنعت لي ذكريات في تلك الممرات أكثر من مجرد حديث لم يتجاوز الدقائق ، حتى أننا لم نكمل خلوتنا تلك إلا في المصعد ونحن بين صعود وهبوط مرات عديدة ، لمسني فقط من أعلى ظهري حينما خرجت في أحد الأدوار كي نفترق ، كل واحد يذهب في طريق ، هكذا هي أبرز مظاهر التخفي التي نمارسها ، أن نأتي منفردين ونفترق بطريقة فيها تمويهاً ، هي كذلك أو هكذا نظن .

توقفت قليلاً وبقيت تراقب صورتها المتكسرة في حوض الماء وكلما استقرت لتتكون ملامح صورة لسيدة تنظر لنفسها على سطح الماء تبعثرها من جديد ، اجتهدت أن لا أرى عيونها ، علها تكشفها وتخرج سرها بين يدي ، هل هو حنينها للماضي ، أم أن قلبها مازال يرتعش كلما تذكرت حياتها مع رجل لا تملك صورة واضحة لملامحه ؟ معه لا تعرف كيف تلملم نفسها ولا أفكارها ، تسرق من الزمن لحظات سريعة تريد أن تثبتها في دفاتر ذكرياتها ، تريد أن تقلب صفحات دفترها حين لا تجد من يتحدث معها ، أو في زمن قد يسلبون منها كل شيء ، وتبقى معها تلك الذكريات التي تستعرضها في مخيلتها ، لا يهم أن تتكرر ، الكثير منّا يكرر مشاهدة أحداث فلم مرة ومرتين والزمن كفيل بأن يجعلها مرات عديدة .
وهي شاردة مع الغريب بالنسبة لي ، أجريت اتصالاً مع صديق أسأله عن اسم بائعة الكبريت ، قلت له أبحث عنها ، أمامك وقت طويل أن تضعه في رسالة على هاتفي .

أطلقت ضحكة مثل تلك التي نشاهدها في الأفلام المصرية لمن تحاول أن تتغنج ، لحظة صمت لم تستقر أكثر من الزمن الذي تحتاجه لتنتقل بعيونها من النظر لعيونها المشوهة على سطح الماء إلى عيوني التي تنتظر حديثاً يُفسر أسباب تلك الضحكة .
وحياة المرحوم ، إن وصلت رسالة صديقك قبل أن تنتهي العشر دقائق القادمة سوف أعلّمك كيف تغرس سنبلة ليست قمحية ، بل من تلك التي تجدها في الأسواق مع البائعة على عربة خشبية صغيرة يقلبها لك على الكانون ، يطلقون عليها اسم ذرة ، هل تذوقتها من قبل ؟ هكذا سألتني وهي تبتسم ، عرفت أن وراء سؤالها مكيدة شيطانية ، لذلك قلت لها أكره الحبش الطري وأكره البوشار ، في كل مرة أنظر للجوال عل رسالة أتت ولم أسمع رنتها ، لكن لو أتت هل سوف أفتحها أم أجعل العشر تنتهي ومن بعد أفتحها ، ربما في فعلي ذلك نوع من المخادعة لها لو قمت به ، هو تصرّف قد تعشقه وقد تكون ردة فعله عليها جيدة بحيث استطيع أن أُخرج رجل الفندق من عقلها ولو أثناء وجودي فقط ، لم تصل رسالة وانتهت العشر .

ما هو السّر الذي تكون أنت فيه كل الأطراف ؟
ثم تركت جدار الحوض الذي كانت تجلس عليه واتجهت نحو طاولة كانت تضع عليها جوالها ، ثم طلبت رقماً وأخذت تتكلم بصوت مسموع ، لكنه حديث لم أفهم منه إلا كلمات غير مرتبة ، بعدها كانت تُكثر من كلمة طيب طيب ، وآخر كلمة كانت " على الموعد " ثم وضعته مثل ما كان ، وعادت نحوي ببصرها ، هل عرفت سرك ؟ لم أتبع فضولي في هذه اللحظة بل قلت لها متى سيأتون ؟ الساعة تقترب من العاشرة صباحاً ولم يظهر أحد منهم .
هناك من يأتي على أجزاء وهناك من ينتظر ولا يأتي بسهولة ، ثم يأتي كُله وهذه يضع نفسه في خطورة المغامرة ، لأنه لم يترك لنفسه جزء يعود له حين لا يجد من ذهب من أجله ، وفي الغالب تكون الخيبات لهذا الصنف من الذين يأتون بكلهم ، لأنهم لا يجدون أحد منتظرهم .
لذلك أبحث عن أجزاء ممن تنتظر مجيئهم في أركان وزوايا هذه الحديقة قد تجد ما يعنيك ، وأنهم بعثوا بتلك الأجزاء التي تسبقهم ، هي علامات يرسلونها لتدلل على أنهم قادمون ، فـ نعيش على الأمل .

في أحد أيام الصيف ، أيام الإجازة ، كان حديثي معه في اغلب الأوقات بدايات الصبح حتى نقترب من الضحى ، بعدها أسمح له بالذهاب لعمله ، أخبرته عن كل شيء خاص بحياتي ، حتى بلوغي تطرقت له ، وأول يوم من دخلتي ، لم أترك شيئا إلا وحدثته عنه ، هل تعرف كيف هو الشعور، أن تجد شخصاً لا يعرفك ولا يلزمك بشيء أكثر من حديث ليس له منه إلا الاستماع ثم يرحل ، شخص ترمي له بكثير من أسرارك وهمومك التي لا تستطيع أن تتحدث بها لمن يعرفوك حتى لا يلاحقوك بها في حال أن وقع بينكم ما يجعلهم يستخرجون أوراقك القديمة والتي تحدثت بها أثناء ضعف مرّ بك في زمن ما ، الحديث مع الغرباء جيد حين تتأكد أنهم يستحقون أن تتحدث معهم ، أهم ما في الأمر أن لا تقترب منهم كثيراً ، تُبقي حاجز الغربة موجوداً على الدوام وتلزم نفسك به ، سنتين ونحن نتحدث ، كان أصغر منّي سناً بقليل ، وضعت لعلاقتنا ثلاث أخطاء نرتكبها ، لو زادت من بعدها يتوجب الفراق ، أول خطأ تم ارتكابه كنت السبب فيه ، كان ذلك كما خبرتك في أول حديثنا ، في أحد أيام الصيف ، كنت أتحث معه وأنا على سريري ، كان الوقت تقريبا التاسعة صباحاً ، تحدثنا فوجدت نفسي أحمله معي نحو جسدي ، بدأت نبرة صوتي تتغير وتثقل لساني شردت في سكرة خفيفة معه ، لم تمنعني من تمرير يدي على جسدي ، في خيالات بعيدة رحلت معه ، لكن صمته وربما ذهوله ، أخرجني من تلك السكرة التي عشت بداياتها فتوقفت ، وتوقفت عن أحاديثي معه ما يقارب الشهرين ، هو كان في سفر وكنت أعاقب نفسي ، ليت هو من أغواها .


قالت حين تطرق الباب ماذا تفعل بعدها ؟
قلت أنتظر

- ثم ماذا تفعل ؟
- أنتظر أيضاً أن يأتي شخص ويقول مين أو نعم أو أنا جاي أو يفتح مباشرة بدون أن يقول شيئا
- ولو وقفت بجوار الباب بدون أن تطرقه ؟
- لن يأتي أحد لـ يقول مين .. الخ أو يفتح الباب مباشرة
- لكنه قد يُفتح الباب أثناء وقوفك
- كلامكِ صحيح قد يحدث ذلك ، ربما يفتح من الداخل لشخص ينوي الخروج أو شخص قادم للمنزل
- عندها لو سألوك ماذا تفعل هنا ما هو جوابك ؟
- سأقول أني أنتظر العدس .




التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 04-03-2012, 17:03   #2
يعرُب
 

رد : حبّات قمّح ..!


في الليلة السابقة للصبح الذي أنا فيه الآن كنت قد بتّ عندها في غرفة للضيوف خارج المنزل تفتح على الحديقة مباشرة ولها باب من الخارج أيضاً ، في آخر سنتين تقريباً ، لم تتحدث جدرانها وسقفها للعابرين ، في أغلب الظن ، كنت أنا رفيق كل ما هو موجود في تلك الغرفة من أثاث وغيره ، لا شيء مميز فيها ، ولا شيء يجعلك تتعلق بها غير صاحبتها ، كانت تطرق الباب في السابعة صباحاً ، لم تنتظرني أفتح الباب ، قالت من خلفه الفطور بعد نصف ساعة في الحديقة ، دائماً تحسسني بأن نظامها شبه عسكري في ترتيب مواعيد الأكل والشرب والنوم ، البارحة لم نتحدث كثيراً ، كان حديث مجاملات السفر والاستقبال ، نكرره دائماً ونحفظ طقوسه ، لا يحمل أي متعة ، غير أننا نسرف في الابتسامات ، وتحريك الرأس مع كل ابتسامة .

-
لم يكن على الطاولة الكثير من الأصناف ، هي تعرفني أحب الجبن مع العسل في حال إن وجد ، أحب الشاي ع الإفطار فقط ولا أتلذذ بشربه في أوقات أخرى ، لا اتهم بشرب القهوة مطلقاً ,اكره النسكافيه ، رائحته تسبب لي الغثيان منذ الصغر وأنا أكرها ، تأخذ من زبدة الفول السوداني وتدهن بها بعض قطع التوست ، أيضا هذا الفول أكرهه ولا أحب طعمه ، ما هي الأشياء التي أحبها غير الجبن ، القشطة السائلة مع سائل المربي أيضا ممتعة هذه الخلطة ، رفعت المعلقة وتأشر بها نحوي :
- لشو هالغيبة كلها يعني تتوقع ماشتقنالك ؟
لا أجد غير النظر لها وبدون أي تعليق على كلاماتها ، كنت أترك لها فرصة تفريغ غضبها بدون مقاطعة ، تتحدث وتصمت وتأكل وتلوح بيدها .
صوت العصافير في الحديقة يملأ المكان ورائحة الطين في أحواض الزرع تنتشر في المكان ، المكان لا يشبه الجنة ، هو ممتع لكنها لا يشبهها بكل تأكيد فالنساء هناك لا يغضبن ، ولا يتذمرن ، ولا يدخن الحمامات في الصباح . لا أحب النظر للأنثى وهي تأكل أو لو كنت أتحدث معها من بعيد تخبرني أنها ذاهبة للعشاء أو الفطور أو للحمام ، هذه الأشياء في نظري تخرجها من أنوثتها لتعطيها دور بشري ، كثيرة هي احتياجاته للمحيط الذي هو فيه .
قالت " ليتني عصفورة صغيرة " وأخذت تتحدث عن حكايات العصافير في حديقتها وكيف أنها تراقبها كل صبح ، حتى أنها تعرف حكايات عشقهم كيف بدأت وكيف أنبتت عصافير صغيرة خرجت للحياة ، تركت مقعدها ، وقالت العصافير تقفز ولا تمشي هكذا ، وفي كل مرة تسقط .

-
سألتها أين رحل رجل الكهف ؟ ، كانت تعرف أني أقصد رجل الفندق ، تعمدت كي أثيرها ، وكأني في سخرية من تلك العلاقة ، لأنها في الحقيقة أزعجتني أن تتحدث بها وبهذا الشوق الكبير لتلك الأيام ، هناك ذكريات نمر عليها بقليل من الاشتياق ، لكن بعضها يجبرنا أن نتلون بألوان تلك الأيام مهما كان وضعنا وظروفنا ، كنت أحسب الزمن كفيل بأن يخرجها من تلك التجربة إلا أنه عجز عن ذلك ، فبقيت أنا بمفردي في ساحاتها أصارع تلك الذكرى ، لعلي أهزمها .

حين هبطت طائرته فتح جواله وهو مازال في الصالة ينتظر حقائبه ، في هذه اللحظة وصلت على بريده أول رسالة منّي بعد كل ذلك الانقطاع ، لم أكن أعرف متى عودته ولم أكن أعرف متى رحل ولا أين ؟ ، كل ما أعرفه والتي تدل عليه هذه الحادثة ، أن رغبته كانت قوية نحوي ، ربما أنه كان يحادثني في نفسه طول تلك الفترة لذلك وصلني ما به ، لا أعلم من أي طريق وصل ، إلا أن تصرفي وتوقيتي في إرسال الرسالة يدل على ذلك .

-
نغمة رسالة .. كانت واحدة هكذا أحب سماعها بالرنة المميزة لها والتي عرفتها كبداية ، لم أغيرها حبيتها بالشكل الذي عرفتها من البدء ، توقعت أنها من صديقي الذي كلفته بالبحث عن بائعة الكبريت ، لذلك توقفت عن الحركة وبقيت في صمت ، ثم قالت أفتحها لعلك من بعدها تغرس سنبلة برغم أن العشر قد انتهت .
كان نص الرسالة يقول ..
وينك ووين مرزعتك هذه التي ظهرت فجأة
صاحب العمارة جانا مرتين اليوم يبي الإيجار
قلت لها انك رحت المزرعة ، بس والله حسيت أني أكذب
مزرعة ومكينة وبير
وش هذا ، تعال بسرعة وجيب معاك الإيجار .

-
سألت ..
- كيف يكون غباء الرجال أو متى يظهر ؟
قلت عندما تجدين أحدهم ينتظر العدس عند باب لم يطرقه أو ينادي على ساكني البيت أن هو خلف الباب ينتظر العدس ، هو إلى هنا لم يمارس أي غباء ، لكنه سوف يكتشف ذلك الغباء حينما يعطوه العدس ، وهو لم يفكر في إحضار الخبز معه ، فطالما أنت تنتظر العدس ، فعليك ومن باب الذكاء أن تكون مستعداً له بـ الخبز .

الرجال يسكبون الحياة ويجيدون أيضا أكل العدس ، ولا يضرهم الانتظار أمام الأبواب التي لم يقرعوها ، ويحاولون المشي في الأزقة ليلاً ، والبعض منهم يعرف كيف يلقط الحب بفمه ، هم يتشابهون في كل شيء ، ويدمنون الشيء ذات ولكن بأشكال مختلفة وشهوات مختلفة ، يحبون يكرهون ينامون .
أتذكر صديقة لنا كانت تشتكي من زوجها ، يتعذر أن ملابسه كلها متسخة ، لأنه هو يقوم بذلك تعمداً حتى يشاركني لبس أروابي ، خاصة تلك الرطبة التي تسقط على الجسم ، يشده بطريقة عجيبة ويرفعه إذا أراد أن يمشي في المنزل ، أظنه منحرف أو ربما طغت أنوثته .
تقول لكنه جيد في السرير ، وهذا ما يحيرها كثيراً ، حتى أنه استطاع أن يجعلها تحمل .

-
ليست جميلة بما فيه الكفاية وأيضاً ليست طويلة ولا بيضاء ، لكنها كانت رشيقة حد الجنون ، جسمها فاتن ناضج ، مثل تلك الفاكهة التي إذا أكلتها تناثرت مياهها داخل فمك وخارجه ، ثم تزيد ، تزيد في العض ، حتى آخر بقاياها تطارده .
جسمها من ذلك النوع الذي تستطيع أن تشكله مثلما تريد وبالطريقة التي تعشق ، ليست من النوع الذي يجب أن تستأذن منه في أو تطلب منه يقوم بكذا وكذا ، لأنك لن تكون قادر على أمر ما لم تساعدك فيه .
سألتها : لماذا عقدتي الأمور مع بائعة الكبريت ؟
تقول لأني كنت أحسب أن هذا هو الأسهل ، لو أنك كنت دقيق الملاحظة حين أتيت لعرفت أن الأمر ليس كما تظن ، لكنك الآن مُطالب باسمها كي تضع ما تريد حيث أنا أريد .

-
نراقب كيف أن ضوء الشمس يجتاح الأماكن ، نجلس على بلكونة تشرف على الحديقة انتقلنا لها بعد أن نشرت الشمس حرارتها ، بلكونة واسعة نصعد لها بثلاث أو أربع درجات ، ملتصقة بالمنزل وتتصل به عبر باب زجاجي، حملت كتاب من الطاولة التي تفصلنا وقرأت ..
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى .........!!!
- ثم سألت ما هو الشيء الذي يجمع هولاء النسوة ، بائعة الخبز وبائعة الكبريت وبائعة اللبن ؟
لا ينبغي أن نفكر بما هو أبعد مما هو أمامنا ، التوقع في الجواب أمر دائماً ما نمارسه خاصة إذا كان نريد أن نتطرق لقضية من بعد الإجابة ، لكن حينما لا تريد أن تخوض في مثل تلك الأحاديث ، لابد أن تغيّر المسار الذي يخطط له الآخر ، هي تخطط للتطرق لحياتها ، وأنا لا أملك ذلك المزاج في السماع ، لذلك قلت لها في جواب " حرف الباء " .


-
لا استلطف السيدة التي تضع دائماً جوالها على الصامت ، بعد ذلك الاتصال الذي تلقته وسمعتها تردد كلمات معدودة لم يرن هاتفها مرة أخرى ، وضعته على وضع الصامت ، وكثير ما ترفعه وكأنها ترفض بعض المكالمات والبعض تتركها حتى تتوقف ، لا شيء جديد مع انتظاري الذي لم ينتهي ، أتوقع أنه لن يأتي أحد هكذا شعرت ، حتى وإن اجتهدت في إقناعي ببعض تصرفاتها أنها تنتظر معي فلن يأتي أحد ، كان الأجدر بي أن أتخذ قراري حين بلغت الساعة الثانية عشر ، لكني لم أفعل وليتني فعلت ، حين تجد فرصة للهروب وأنت في مأزق حقيقي لا تفوتها ، أطلق رجليك للريح ، لأنك لو لم تفعل سوف تجد نفسك تُطلق الريح .

-
في رسالة كتبت .. " الله يلعنك وين اسم بائعة الزفت "
رد في رسالة أخذت وقت طويل وهي تتحدث آلياً ، يقول " قبل قليل فقط حصلت على الرواية ، من مكتبة تبيع الكتب المستعملة ، وهي شبه بالية أوراقها ، لكنها مكتملة الصفحات وعلى هوامشها كثير من الملاحظات ، هي كثيرة ولا تنتهي ، تركت البحث صراحة عن بائعتك ، ورحت أقرأ هذه الملاحظات ، صدقني هي جميلة وممتعة ، مثلاً في صفحة رقم سبعة ملاحظة صغير تقول " اليوم فات على موعد دورتي ثلاثة أيام ولا أعلم السبب ، ولكني لا أظن أن الفتاة من لقاء تحبل " . وفي صفحة التي تليها ملاحظة يبدو أن من كتبها رجل دخل في الأربعين قريباً يقول " انتهت أجمل الأيام قبل شراء هذه الرواية ، وتأكد لي أن الحياة لها طريقين في الجنس ، إما تنكحها أو تنكحك ، وأنا وجدت نفسي في الثانية " ، أما الملاحظة المحزنة والمحيّرة كانت في الصفحة رقم 11 تقول " اضطررت أن أخرج لهم ة تعبت من الهرب لابد من المواجهة ، اليوم هو الخامس في الشهر في حال لم أعد لهذه الصفحة من جديد فأنا لست على قيد الحياة " .
هل تتوقع أنه مات ؟

-
دخلت الساعة الثانية عشر ظهراً ، تقريباً أربع ساعات ما بين الحديقة والبلكونة ، في حديث وتأمل وصمت في بعض الأحيان ، الانتظار يجعل الوقت بطيئاً ، برغم اللذة الموجودة في الحديث مع أنثى إلا أنه قتلني أقصد الانتظار ، وأنا بين انتظارين ، انتظار رسالة تخبرني اسم بائعة الكبريت وانتظار من كنت انتظره ، الوقت لا يسمح بإخباركم من كنت انتظر ، فالسيدة ذهبت داخل المنزل أتوقع أن ترتب لنا الغداء مع خادمتها ، لا أعلم متى سوف تأتي ولكنها سوف تأتي في أي لحظة ، لذلك أخاف أن تدخل وأنا أحدثكم بحديث تتوقع أن يكون خاصاً بيني وبينها ، سأكون نذلاً وافشي سرها لكم ، هي تقول أنها سوف تذهب للتسوق في المساء أعتقد أنها فرصة مناسبة أخبركم من تكون ولماذا أتيت ومن كنت أنتظر ، اعتقد أن الصوت الذي تصدره بتعمد يوحي بأنها قادمة نحوي ، اذهبوا بعيداً الآن حتى لا تشعر بأن هناك من يراقبنا ..
تسأل ،، هل تُحب المحاشي ؟ تقتلني مثل هذه الأسئلة التي لها احتمالات غير البريئة ، خاصة لو أن السؤال يصاحبه نظرات مكر وعيون تبتسم من بعد آخر كلمة تنطقها الشفاه .
أي شيء موجود فيه جود هذا هو جوابي لها ولم أزد على ذلك ، ذهبت مرة أخرى ، وأنا استلقيت على أريكة داخل الصالون المرتبط بالبلكونة بباب زجاجي .

-
وفي بدايات غفوة للتخلص من الإرهاق الذي تعرضت له منذ الصباح الباكر ، ذلك لأني لم أتعود خوض أحادث كل هذه الفترة المتواصلة ، الحركة كانت بسيطة ، مشي خطوات قليلة بين حين وآخر يخفف ألم الجلسة على الكرسي المتواصلة ، لكنها لم تكتمل ، وأعني بذلك غفوتي التي شرعت بها ، رنة في الجوال تخبر عن رسالة قادمة ، كانت منه ، وكنت أقول لنفسي لعله أحضر اسمها هذه المرة ، كان يقول " وجدته ابن الفاعلة في الصفحة 33 ، لم يمت ، بل كانت حيلة ، حيث وجدته ترك ملاحظة غبية يا أخي تدل على أنه مريض يقول " هل حزنت لشخص لا تعرفه ؟ هل كان لديك فضول معرفة من هم الذي خرجت لهم ؟ هل خطر في بالك الطريقة التي قتلوني بها ؟ وهل سألت نفسك اليوم الخامس من أي شهر كان ؟ أعلم أنك منحتني جزء من مشاعرك ، لكنها ليست مهمّة بالنسبة لي ، بقدر ما كنت أفكر كم شخص توقف عند هذه الصفحة وقرأ ما فها ولم يلتفت لملاحظتي ، هولاء أكرهم أغبياء ، هل تعلم لماذا ؟، لأني ربما كتبت في تلك الملاحظة رسالة من خلالها ممكن إنقاذي " .

-
أحمد وكتاب التاريخ الذي يحمله منذ الصباح، يبدو أنها أيام ما قبل الامتحانات ، التي يعطونها للطلبة كنوع من الفرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في حال أنك لم تكن قد جهزت نفسك بشكل جيد للامتحانات .
كنت أكرهها ، كانت تدخلني في همّ وقلق لا ينتهي ، حتى أنها لاحقتني على كِبر في حلم ، دائماً ما كنت أشاهد نفسي وبيدي ورقة امتحان للرياضيات ، وكأن ذلك الحلم يعاندني ، رياضيات ، ألا يوجد مواد أخرى أقل تشدداً ، هذا هو عِناد الأحلام ، تأتيك بالذي تريد ، هل جربت يوماً أن تخدع حُلماً ؟
وكأنه يريد أن يفتح قناة للحوار بيننا ، ربما إن فعل وأخبرته عن الكتاب الذي بين يديه قد تطردني أمه ، أعرف أنه سوف يسقط في الامتحان بعد أن أحشو رأسه ، بأن ما في الكتاب سوف يختلف كلياً عن ما سوف يعرفه إذا تقدم به العمر ، لا أعلم لماذا يكذبون وهم يعرفون أننا سوف نعلم أنه يأتي يوم ونكتشف أن ما كنّا ندرسه يختلف عن الواقع والحقائق ، كل شيء سوف تجده مختلف ، ستكتشف أنك لا تحتاج إلى إعادة الوضوء في حال لامست عضوك بيدك يا أحمد .
قال ما يحيرني يا عمو .. هو ليش الخديوي باشا منع سعد زغلول من دخول قصر عابدين ؟

-
من بعيد كانت تسمعني .. كسر الخواطر شين
بصوت يتسرّب من غرفة أخرى ، لعلها لا تريد سماعها معي مرّة أخر ، كنت قد سمعتها من قبل في شقتها الصغيرة في عمّان العاصمة حيث كانت تدرس هناك ، كانت في سنتها الثانية ، في تلك الليلة قررت ترك شقتها للانتقال لمكان آخر ، اضطررت السكن عندها طوال فترة شهرين ، لم تشعرني يوماً أني كنت أتطفل عليها في شقتها ، كانت تعلم حالة الخوف التي مررت بها وعاشتها معي ، كنت أخشى التواجد في مكان مغلق بسقف وجدران دون أن يتواجد معي أحد ، كنّا نواجه حالة واحد ، لكننا تغلبنا عليها بواسطة التكنولوجيا والصوت المتكرر الذي يشعرني أنها معي في كل دقيقة وثانية ، في آخر ليلة لنا مع بعض بعد أن قررت الرحيل في الصباح ، وأني أصبحت قادر على أن أكون بمفردي ، سمّعتني هذه ، " أرجع ترى الأيام تطوي ولا نردي " ما كنت أعلم أن الأيام تسرقُنا ، وما كنت أعلم أنها ستنجب طفلاً ، ينادي رجلاً بابا ، إن لم تقطف زهرة فتاة ، هناك من سيفعل ، هي لن تنتظر ذبولها ، فبعضها يضطر أن يضع نفسه بين إصبعي رجل سار في الطريق الذي تنبت على جانبيه .

-
ما رأيكم أن نثبت الصورة ..
على سيدة مع خادمتها تجهز طعام الغداء ، رجل في الصالون مستلقي على الأريكة مرهق ليس من شيء يفعله الرجل ، فقط لأنه كان ينتظر، أحمد سيتذكر دروسه ، نبقى على هذا المشهد ونترك المكان هذا وتعالوا معي ، بس كل ما أتمناه أن لا يختلط أحمد كثيراً بذلك الرجل الذي هو صديقي العزيز ، سوف يُفسد أخلاق الولد ، ويقنعه أن طريقة الامتحانات في بلداننا العربية نوع من الاستعمار الفكري ، بل هو يرمي بطريقة التدريس كاملة على تلك الفكرة وأقصد بها فكره الاستعمار ، نسيت أن أعرفكم بنفسي أنا صديقة الذي أبحث له عن اسم بائعة الكبريت ، شغلني بهذا الطلب ، لكني ما كنت أخذله ولو كان الأمر أتفه من هذا .
في العاصمة داخل سيارتي ، أقف تحت ظل عمارة كبيرة أتصفح الرواية ، فتحتها في رغبة البحث عن اسم تلك البائعة في هذه الظهيرة ، ما اعتقده وفي هذا الوقت بالذات أنها ذهبت لمنزلهم ، فالوقت متأخر والشمس حارقة ، قد تعود في المساء تبيع الكبريت .
لم أقرأ شيء منذ فتحت الرواية غير تلك الملاحظات الموجودة على الفراغات البيضاء في الصفحة ، كتابات مختلفة بخطوط أيضا وألوان مختلفة ، كل ملحوظة تدل على أثر صاحبها ، أكثر ما لفت انتباهي حركة تقوم بها فتاة وهي أن تشخمط بالقلم أو الروج على إبهامها ثم تبصم ، وكون البصمات متكررة وفي أماكن مختلفة هذا جعلني أستنتج أن تلك المواقع هي أماكن توقفها ، تترك بها علامة لتعود من جيد حيث انتهت .

-
ما اعتقده الآن أنهم مجتمعين حول المائدة ، يتمتعون بالطعام والحديث ، لكن هل أحمد معهم هذه المرة ؟ دائماً يخبرني عن زياراته لها ، يقول أنها تنفرد به في غرفة الطعام ولا تسمح بدخول أحد أثناء تواجدهم فيها ، برغم أن الوضع لا يحمل أي شبهة أو نحوها ، إلا أن هذا هو أحد طقوسها المهمة الذي لا تنساه أبداً في كل زيارة لها .
ما هي الأحاديث الذي ممكن أن تدور بينهم في هذا الوقت تحدياً ؟ سوف ينافقها في كل شيء موجود على المائدة ، وسوف يتغصّب المحاشي ، هو لا يحبها ، ويكره ورق العنب ، يجيب له الغثيان ، ولا يهتم بالعصائر فوق المائدة ، لذلك لا يشربها مع الأكل ، يحب أن يحدد خياراته في صنف واحد فقط ، هذا الرجل يقول عن نفسه أنه ليس فناناً في تذوق الطعام ، ولا يحب تعدد الأصناف ، يعيش على الأرز فقط .

-
على طاولتي في أول مطعم نقابله في الشارع الذي أسير فيه سوف أحدثكم عنه ، لكن ما الذي تودون معرفته حالياً ؟ أتوقع أن أكثر سؤال يخطر ببال الجميع هو ، من يكون وما علاقته بتلك السيدة ، ولماذا هو موجود في هذه الصفحات ؟
هذا مطعم جيد ، يقدم وجبات اندونيسية جيده ن أحب فقط طبق المشكل ، لذيذ من كل شيء يضعون لك فيه حتى البيض ستجده على ذلك الطبق ، لكنني لا أحب البيض ، لكن طالما أنهم يضعونه ولا أدفع مقابل ذلك زيادة أو أن نقص في سعر الوجبة في حال أن طلبت حجبه ، لا يهم أن يكون موجوداً لن يزعجني طالما أني لن أقرب منه ، سأحمل معي الكتاب ن ربما لو نتوقف عن الحديث قليلاً في حال ذهب أحدكم لقضاء حاجة ، أتصفحه حتى يأتي .
هو رجل كسول في كل شيء ، لا يجيد الحديث إلا للخاصة ، تجده منطلقاً معهم بدون أي حسابات يفرضها على الحديث الذي يقوله ، يحرك يديه بكثرة أثناء الحديث ولديه لزمة " شفت كيف " ، لا يخبرك الحقيقة كاملة دائماً يتركها منقوصة ، غبي ، لو أنه أعطى السيدة أي اسم من تلفيقه ، لربما رضيت به ، لكن هذا ما يسببه العنف الأسري ، ما دخل العنف الأسري في حديثي هذا ؟ ، لا شيء بس النادل مرّ بجواري وأحببت أن أفخم الحديث الذي يدور بيني وبينكم ، يعني زيادة فشخرة .

-
سيقول عني ثرثاراً وأتحدث معكم في كل شيء بينما الإنسان العاقل المتزن ، لا يحدّث بكل ما يسمع ولا كل ما خطر في باله ، ولنا خطوط حمراء في خصوصياتنا ، وأنني أبيع الخِراف لعمي من أجل أن يزوجني ابنته في تنافس مع أبناء عمومتي عليها .
كانوا ثلاثة وأنا رابعهم ، دائما يقاطعني في حكايتي هذا حينما ابدأ بهذه الجملة يقول " باسط ذراعيه " أعلم ماذا يقصد ، هو فقط يريد أن يستفزني ، لكني لا التف له وأكمل حكايتي .
أربعة كل واحد من تحت رجل ، والخامسة أبنت عمّنا ، وكلنا نتنافس على الزواج منها ، وعمنا وغد وابنته أوغد منه ، كان يعطينا من خرافه كل يوم الصبح خمسة ، ويقول من لا يعود بها كاملة حتى الساعة الثانية عشر له البنت وفي كل مرة نفشل ، قرية لعنة الله عليها لا تأكل اللحم ، وهو من يحدد لنا السعر وهو يعلم أننا لن نبيع أكثر خمسة مجتمعين ، لكنني استدنت قيمة الخمسة كاملة ، وحين ذهبت بها رميت بالخِراف في الوادي ، ورجعت له بالنقود أخذها ، ثم طالبني بقيمة الخراف النافقة .

-
ليس من الإنصاف ان يتحدث هذا الثرثار دون أن يكون لي وقفة صغيرة هنا ، لن أطيل عليكم مثل ما فعل هذا الغبي الذي يأكل ويتحدث ويقرأ ويتحدث ويأكل ويتفشخر .

هو ثرثار بالفعل ، مرهق وش لنا في بنت عمه هذا الغبي وخِرفان عمه .
كونوا معي للحظات أقول فيها وجهة نظري في كل ما يحدث هنا ، أليس لي الحق في ذلك ؟، أنا أحمد ابن تلك السيدة التي تأكل الطعام مع رجل غريب ، لا أعرفه ولكني أناديه عمو ، هذا ما تعودت عليه منذ الصغر ، بين حين وآخر أجده عندنا في البيت ، لا يجلس كثيراً، زيارته لنا لا تتعدى يومين أو ثلاثة بالكثير ، ثم يبدأ يتذمر من كل شيء .
سوف أرمي بكتاب التاريخ وارمي بالتاريخ من رأسي وأعيش اليوم ، لن أبحث عن مجد الماضي إلا حين أعرف أني قادر على صنع مثله .
سالت أمي ذات يوم لماذا لا تتزوجينه ؟
قالت لو كان ينفع كان زمان سويناها ، ثم صمتت وكأن الحزن تلبّسها ساعة ، لم أشتت فكرها الذي ذهب بعيداً مع سؤال ، لعله الماضي الذي في هذه اللحظات تقلبه وتلملمه ، جميلة هي ذكريات الماضي بكل ما تحمله من تعب وإرهاق وسعادة ، نتذكر حتى نشعر أننا مررنا بحياة في زمن ما ، تقلباتها تعني بشريتنا ، معها نعرف أننا نشعر بالحزن والفرح والسعادة .
لن أتتبع آثار السرّ الذي منعهم من أن يفعلوها كما قالت في ذلك الزمن ، الأسرار تطوى ولا يجب فتحها ، ربما تلاحقنا لو أخرجناها من مخبأها ، لنتركها ترقد بسلام .
هل سأكون في نظركم ولد غير مؤدب لو قلت لكم أني أسترق النظر أحياناً عليهم ؟
فترات وأنا أستذكر يقتلني الفضول خاصة حينما يهدأ صوتهم ويميل إلى الهمس ، أختلس نظرة عابرة ، وفي بعض المرات أعمل حركة بصوت مرتفع ، داخلي يقول أنت تُحدثها حتى يعلموا أنك تراقبهم ، ربما داخلي صادق مع نفسي أكثر من عقلي مع نفسي ، عقلي يتحدث بأفكار مختلفة ، لن أطلعكم عليها ربما تقولون هذا كًفر يا أحمد ، لديكم الكثير هنا ممن يفرضون الوصاية وأنا ما أحب أحد يمارس علي هذا الدور من كائن بشري مثلي يأكل ويشرب ثم يتبرّز ، لو أنه لا يفعلها ربما سمحت له بذلك .

-
مرحبا ..
أنا المخرج ، لا تعرفون عنّي شيء غير تلك العبارة التي تقولونها دائماً " المخرج عاوز كذا " نعم هو كذلك أنا عاوز كذا إلا في شيء واحد كنت عاوز وما تم وهو أن تتحدث لكم السيدة ، لكنها رفضت أن تتحدث لكم وأن تخبركم ببعض الأشياء لا أعلم لماذا ، كل ما أعلمه أنها رفضت ، والعقد لا ينص على أن تتحدث ، كل ما عليها أن تكون داخل صفحات كتاب ، ربما لديها رهبة من التحدث إلى الغرباء ، أو أنها لا تجيد الحديث عن نفسها ، هكذا كثير من الناس حين يقفون عند حدود أنفسهم لا يعرفونها فيصدمون بهذه الحقيقة ، تجد أن لديهم الخبرة في التعامل مع نفسيات ومشاكل الآخرين ولكنهم عاجزين عن ذلك مع مشكلاتهم الخاصة ومع التحدث إلى أنفسهم بنوع من الصراحة والوضوح .
تعلمتم أن تصلوا إلى نهايات الحدث في النهايات ، هكذا دائماً يكون الوضع نحصل على معرفة الحقائق في آخر حلقة ، لكن لماذا يتم هذا الأمر بهذه الصورة ، كلنا يعرف الجواب ، هو يقع تحت فكرة الشد والجذب حتى آخر ساعة ، الأبطال لا يموتون والرجل الصالح ينتصر ، وغيرها من الغباء السائد في كل أنحاء الدنيا .
لو رجعنا لترتيب الأحداث بصور من الخيال على ماذا سنحصل ..
طاولة تجمع بين اثنين يتناولون الطعام في صالة يتسرب لها الضوء من خلف الستائر التي حاولوا سدلها على كل المنافذ ليستمتعوا بضوء الشموع في وضح النهار ، هذه رغبتم أن يصنعوا الليل ، الليل الذي يدارون فيه الأشياء التي يفضحها ضوء النهار ، يأكلون بصمت إلا من حركة الملاعق حين تلامس الصحون ، ومن ارتطام الكؤوس أثناء رفعها للشرب ثم وضعها على الطاولة مرة أخرى ، النظرات لا تثبت على موقف واحد هي تتفرق بين أن تتلاقى وبين النظر إلى المائدة والتركيز على الصحن الذي يقبع أمام كل واحد منهم ، سنجد بين حين وآخر حركة للسيدة مع الفوط ، كل مرة ترفعها لمسح بها شفتيها بحركة بسيطة تريد معها أن تتحدث وتتحدث ، حين تكون هناك رغبات مخفية في مثل هذه المواقف يسود الصمت ، ربما يخططون للخطيئة ، من يدري لعلهم كذلك .

في المكان الآخر من المنزل سوف نجد أحمد بين قلق وتفكير ، مما يجعله يتمدد على سريرة وبين يديه كتاب التاريخ يقلب صفحاته ويقرأ ثم ينتقل بنوع من التيه بين الصفحات ، لا يعلم أين يجب أن يتوقف ومن أين عليه البدء ، كلها ترجع إلى فكرة تدور في رأسه يرفض أن يتحدث بها أو يخبرنا عنها ، يخرج يعود يتوقف ، لكنه في حراك دائم ، جسدياً أو فكرياً ، سوف يبقى كذلك حتى ينتهي الصمت في الجهة الأخرى من المنزل .

في الطرف البعيد هناك رجل داخل مطعم خلف طاولة صغيرة ، تشعر أن الطاولة بين يديه متمكناً منها لا تستطيع الهرب وكأنه سيلتهمها مع ذلك الصحن الذي أمامه ، يأكل بيده اليمنى وفي الطرف هناك كتاب مفتوح يقلب صفحاته بين حين وآخر وهو أيضا يقلب رأسه بين صحن وكتاب يتوقف يحمل كأس الماء يشرب ثم يعود ليأكل ، يتوقف عن الحركة للحظات حين يقع نظره على صفحة الكتاب ، تنتهي اللحظة ويعود لصحنه يلتقط منه ما يمضغه تحت أسنانه ويعود للصفحة ، صوت رسالة في جواله ، يضع الملعقة من يده اليمنى يضغط زر العرض والجوال على طاولة الطعام ، يرفع رقبته لكي يقرأ ما فيها وحين قرأ " لا داعي لأن تأتي باسم بائعة الكبريت " ابتسم ، أدخل يده تحت دفة الكتاب وأغلقه بشيء من القوة ، أحدث صوتاً في صالة المطعم ، تلفت حوله لا أحد يراقبه ولا أحد تنبه لذلك الصوت ، تركه على تلك الطاولة وتقدم خطوات ، ثم التفت ونظر لتلك الطاولة وهي تجمع صحن كان يأكل منه وكأس وكتاب كان رفيقه لساعات ، تراجع عن تلك الخطوات وأخرج قلمه وفتح على الصفحة 13 دوّن في مساحة بيضاء منها " حين تستطيع أن تصعد عتبات درج ، عددها يحمل نفس رقم هذه الصفحة ، فأن سيد الليل جاهز ليكون السيّد "

انتهت .



التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 05-03-2012, 14:37   #3
منتهى القريش
شاعـرة
 

رد : حبّات قمّح ..!

أنا هنا .. فـ هنا للقراءة طقوس خاصة ..


يعرُب ..
في انتظارك دائماً ..

لك الود والورد ..

التوقيع:
منتهى القريش غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 06-03-2012, 13:39   #4
يعرُب
 

رد : حبّات قمّح ..!


إقتباس »
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة منتهى القريش
أنا هنا .. فـ هنا للقراءة طقوس خاصة ..



يعرُب ..
في انتظارك دائماً ..


لك الود والورد ..



منتهى القريش
سرني أن وجدتك ها هنا
لحضورك نكهة مميزة أتذوقها بلذة

شكرًا

التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 27-03-2012, 22:10   #5
نورة العجمي
شـــاعرة
 
الصورة الرمزية الخاصة بـ نورة العجمي
 

رد : حبّات قمّح ..!

ليس من الإنصاف ان أرد دون أن يكون لي وقفة صغيرة وقراءة متمعنه هنا
حللت اهلا ووطئت سهلا يعرب
اهلا بك وبايامك يامبدع
ان شاء الله لي عودة

التوقيع: https://www.instagram.com/p/_VLOGDoF...en-by=noouf_mt
انستجرام كاتبتنا
نوف الثنيان (@noouf_mt) • Instagram photos and videos



noouf_mt


نوف الثنيان
قاصّة / كاتبة ..الكتابة سفر الذات منها إليها لايرافقها إلاّ من يؤمن بها ويُدرك أن للنبض-هُنا-حُبّا وغصوناً تعرّش سلاما www.twitter.com/Noouf_M
نورة العجمي غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 31-03-2012, 02:21   #6
هناء محمد
شـاعرة
 

رد : حبّات قمّح ..!

حديثك لايمل على الرغم من الإطاااالة
سلم قلبك ولله درك
دمت برعاية الله

هناء محمد غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 07-04-2012, 17:23   #7
يعرُب
 

رد : حبّات قمّح ..!

إقتباس:
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة نورة العجمي
ليس من الإنصاف ان أرد دون أن يكون لي وقفة صغيرة وقراءة متمعنه هنا

حللت اهلا ووطئت سهلا يعرب
اهلا بك وبايامك يامبدع
ان شاء الله لي عودة



شاعرتنا نورة العجمي
من أجمل الاسماء التي عرفت هنا منذ أن قدمت
جميل حضورك وننتظر عودتك

التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
قديم 07-04-2012, 17:25   #8
يعرُب
 

رد : حبّات قمّح ..!

إقتباس:
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة هناااء
حديثك لايمل على الرغم من الإطاااالة
سلم قلبك ولله درك
دمت برعاية الله



يا هلا والله بـ هناء
جيد أن الاطالة لم تصيبك بالملل مسرور بذلك

حفظك الله

التوقيع:
مرحبا ان كان ديني جاهلية



يعرُب غير متواجد حالياً   اضافة رد مع اقتباس
إضافة رد


عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1
 

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح

الإنتقال السريع