12-04-2007, 02:34 | #1 |
عيون العرب
|
رائحة الليمون !
بعضٌ من محاولاتي القصصية تنشر للمرة الأولى .. كانت الساعة تشير إلى الثامنةَ صباحاً حين إستفاقت سعاد صارخة ً : " يا إلهى سوف أتأخر عن موعد الطائرة " تثائب زوجها بكسل لمَ العجل ردّ قائلاً .. عليّ الإسراع وإلاّ تأخرت ياحازم فكما تعلم كم وكم إنتظرتُ هذا اليوم .. قالتها وهي تسرع في النهوض من السرير متوجّهة بصوتها خارج الغرفة تنادي خادمتها أن تعدّ الإفطار وأن توقظ صغيرتيها عبق وحبق كي تودّعهما، تلك التوأمتين الرائعتين في حياتها .. زهرتين صحراويتين نبتا على ضفاف العمر ِ هكذا كانت تسميهما وهكذا كانت تعرّف بهما عند الآخرين .. إنهما الإبتسامتين اللتان ولدتا عشيّة وفاة والدتها قبل خمس ِ أعوام فجبرتا خاطرها المكسور وأنسينها أيضاً ذلك الفقد الكبير .. شربت رشفة من الشاي بالحليب وقالت لزوجها الذي كان الحزن يغلّف محياه أنت تعرف أنّه حلمي ولطالما كنتَ إلى جانبي ذلك الرجل الذي يقف دون كللٍ أو ملل .. وهذه أوّل رواية ٍ لي سوف تصدر باللغة الفرنسية فأرجوكَ كُن فخوراً بي كما أنت َ دائماً ولاتتململ لهذا .. رفع عينيه إليها فانحنت عليه بجسدها لتأخذ من جبينه قبلة قبل أن تدير ظهرها فيناديها بصوت ٍ أقرب للبكاء الصامت .. " سعاد ... لاتتأخري علينا لطفاً فنحنُ جميعنا نحبّكِ ! " عادت مسرعة ً إليه لتعيد صناعة قبلتها الأولى لكن فوق خدّه هذه المرّة وكأنّها كانت تستنجد بتلك العين أن لاتضعف وأن لاتسقط دمعتها على مرأى عينيها فتخور قواها وتلغي حلمها في نشر روايتها في كلّ مكان، كما فعلت حين تخلّت عن أحلاماً كثيرة من أجل من تحبّهم ومن أجل إرضاء الغير على حساب نفسها ! لكنّه لم يفعل .. فرحمَ فيها الشعور بالذنب ونهض ليعانقها العناق الأخير ويضيف بنوع من المرح هل تسمح زوجتي الكاتبة أن أساعدها في إرتداء معطفها هذا الجميل ذا الرائحة الشهيّة ؟ يخالط دمع سعاد صوتها الضاحك فتقول وهي تمسح دمع عينيها الذي كان يترقرق خلف ضحكتها العالية ولم أمانع مادمتَ ترغب بهذا هاممم؟ ودّعت طفلتيها وأوصتهنّ بأن لايزعجا والدهما وأن يسمعا كلامه ويطيعانه تماماً كما يفعلان في حضورها.. جلست خلف المقود تنفّست الصعداء ..أدارت محرّك السيارة وانطلقت! لم تكن تنظر أمامها أو تركّز في شيء سوى في كيفية إنهاء هذا الشارع والوصول إلى مقاعد الطائرة ومن ثمّ في شكل إستقبال شقيقتها رويدة لها بمطار باريس التي لولاها لم يكن هناك لا فيزا ولا سفر ! رويدة سوف أحتضنكِ بقوّة حتى تتكسّر أضلعكِ بداخلك قالتها فإبتسمت بشقاوة الصغار .. ياه يا رويدة لو تعرفين بأنني أولد من جديد بل سوف يُعاد تكويني مرّة ثانية ولكِ الفضلُ بالطبع فأنتِ من أخذ على عاتقه نشر روايتي في فرنسا وأنتِ من دبّر لي هذه الرحلة التي كنتُ أتمناها لكنّي اليوم أشعر بأن السعادة تختطفني وكأنني أحلّق كالعصفور بجناحيّ صقر.. لا أعرف لماذا أشعر بأن رائحة الليمونِ تخترقُ أنفي كرغوة الصابون تلك التي تخرجُ من غلاف روايتي ( رغوة صابون ! ) إنها تغلّفني تماماً تصنع حولي فقاعة ً كبيرة وتجعلني أجلس بداخلها .. لا أسمع سوى صوتي ولا أرى سوى أنا ومعي روحاً أخرى لا أعلم ماهي ومن أين َ أتت لكنّها معي ! راحت أحلامها تثرثر لها بأشياء ٍكثر لايقطع ذلك الشريط الطويل سوى نظراتها الخاطفة بين فترة ٍ وثانية إلى لافتات اللافتات التي تشير الى الطريق المؤدي الى منطقة المطار .. ولقطات ٍ أخرى كانت للتوّ تتوضّح وينجلي عنها التمنّي يصوّر ذلك الشريط الثرثار صوت حقائب نديم التي تُنقل من عربة ِ حمل الحقائب إلى صندوق السيّارة ثمّ صوت مفاتيح سيّارته التي كانت أوّل من ينتظره هناك .. حيث ُ تركها أحد أصدقاؤه الذين طلب منهم أن يكون حضوره مفاجأة يعدّها للجميع وخاصّة سعاد حبيبة عمره وحلمه وأمله السعيد .. جلس خلف مقودها وهو يتمتم ُ كمن يبارك لنفسه إقترابه من حلمه الموعود .. مباركٌ عليكَ يانديم سعاد ٌ زوجة تزفّ إليكَ برباط ٍ لايفرّقه قدَرْ! سوف َ آتيكِ يامن هجرتني الإبتسامة برحيلك .. سوف آتيكِ ياعصفورتي الصغيرة .. ولا تقلقين حققتُ لكِ جميع ماتتمنينه لرجل ٍ يقف أمام والدكِ بإفتخار .. ها أنا عدتُ إليكِ كما تريدين وأكثر شهادة مرموقة تفتخرين بها أمام أسرتك ورجل ٌ يستحقّ أن يمتلك مشاعركِ.. دغدغ الشوق قلبه وتخبّطت روحه بين معاناته وشوقه وبين صوت سعاد الباكي تلك الليلة حين إتصلت به لإنهاء العلاقة الجميلة التي كانت تربطهما قائلة له كلماتها الخنجرية القاتلة والتي حفرت في صدره كما لو كانت لوحة سوداء يتوسطها ثقب ٌ أحمر .. لوحة لم يرسمها رسامٌ بعد.. لايمكن لنا الإستمرار بهذه العلاقة فأهلي لن يقبلون بكَ لو تقدمت لي في الوقت الحالي أنت غير مستعدّ الآن لفتح بيت وإعالة أسرة وكذلك لم تنهي دراستك بعد.. م ن الأفضل أن لانرى بعضنا البعض حتّى ننتهي من دراستنا وتصبح أنت قادراً على التقدم لي وضمان قبول والدي.. ودون ذلك لايمكنني مقابلتك أو التحدّث معك حفظاً على سلامتك وعلى سمعتي أيضاً ! حتى حين حصل على بعثة لإستكمال دراسته أودعته بطريقتها كما تفعل دائماً بإستثنائية عاشقة فعلت ذلك حين تركت له أصّيص زهرة حبق عند باب منزله وبطاقة مكتوب ٌ عليها رافقتكَ السلامة يانديم وسوف تبقى أمد الدهر في دمي لأنكَ في توقيعي الخفي .. يارغوة الصابون يا رجل ! كانت تلك الزهرة المنيرة العبق التي أنعشت على مرّ خمس أعوام عمره فإصطبر بها أياماً كثيرة عن صوتها عن شكلها عن رسائلها عن سؤالها عنه .. لم يكن ليريد أن يتصل بها إحتراماً لوعده الذي إقتطعه لها بأن لايعودَ إلاّ حين يكون مستعدّاً لذلك وأن يبقي في صدره حبّها مشتعلاً دون الحاجة إلى السؤال عنها أو البحث وراء أخبارها كان ليكتفي فقط بوضع أنفه على أصيص الحبق كلّما إزداد الوجدُ به فيتزوّد من أريجها العذب ويعود لمتابعة الرقصِ فوق ألوانه ولوحاته ! في الوقت الذي كانت سعاد تخبّيء الدمع في منديله الذي أعطاها إياه في عيدِ ميلادها المحفور بحرفين إسمهما .. وتقاوم ذلك البعد بالدراسة وبالكتابة ِ التي كانت خلاصها الوحيد .. في تلك الأثناء تقدّم إليها حازم فوافق والدها على الفور .. خاصّة أن حازماً كان إبن أعزّ صديق ٍ له وهو رجل ٌ عصاميّ ومثابر .. وهو بالنسبة ِ له رجلاً كامل المواصفات .. كانت فرحة حازم جمّة حين نُقل إليه موافقة سعاد ..فسعاد خطفت قلبه منذ أول ِ نظرة وأحبّها بقوّة فلم يتوانى لحظة في التقدّم إليها أسرع لوالدها يطلب يداها ..وراح يركض كالطفل هنا وهناك لإتمام الزواج فبدا العرس هادئاً وناعماً إقتصر على الأسرتين ولفيف ٌ قليلٌ من الأصدقاء .. وبرغم أن سعاد كانت قليلة الحديث في بداية زواجها وكثيرة الشرود وكانت كلما جاء الليل إنكمشت على نفسها كأنها تقلّصت بغياب الشمس .. الاّ أن حازم بضحكته الصاخبة وبشخصيته الودودة يداويها دون أن تشعر فحمل على عاتقه أن يسعدها وأن لايحرمها من شيء ٍ تريده .. فأصبح هو الصديق والأب والقاريء الجيّد والأم التي حرمت منها بعد زواجها بفترة ٍ وجيزة والزوج الطيّب المطيع .. هاهي الآن لوحات الترحيب تعود ُ للظهور على جنبيّ الطريق ( الى الأمام المطار الدولي ) شعرت سعاد بالحاجة إلى زيادة السرعة كان كلّ جزء ٍ فيها يناديها بدءً بدقات قلبها التي كانت تزداد رغماً عنها.. وانتهاءً إلى رائحة الليمون التي تصرّ على الإلتصاق بها أكثر .. كأنها عروساً للتوّ تزفّ لعريسها المرتقب أو أماً تنتظر أن يحضرون لها طفلها الصغير كي تعانقه بين أحضانها .. ولم يكن نديم بأقلّ منها إرتباكاً وحيرة ً فقام هو الآخر بزيادة السرعة بوضع قدمه على البنزين فيعطيه دفقة إضافيّة تنهي هذا الشوق الصارخ أو تُسكت الشريط الثرثار الممتد بينهما.. ! الاّ أن الصوتَ المتفجّر لم ينقطع الاّ على صوت ِ بائع الجرائد اليومية .. " إقرأ الخبر " إقرأ الخبر " ( تصادم سيارتين قرب المطار وانتشال جثتين منهما .. الأولى أمٍّ لطفلين في أوجّ شبابها قاصة وروائية معروفة والثانية لرسّام شاب في مقتبل العمر قادم من فرنسا يحمل شهادة التخرّج وأشهر لوحة طافت أرقى معارض العالم / موعد مع القدر / ) " إقرأ الخبر " " إقرأ الخبر " .. 2003/6/14 تحياتي . اخر تعديل كان بواسطة » فوزي المطرفي في يوم » 24-04-2007 عند الساعة » 01:48. |
17-04-2007, 08:32 | #2 |
بقـايا حُلـم
|
رد : رائحة الليمون !
مؤلمة مؤلمة مؤلمة وصلتِ لإنهاك مشاعرنا بالأحداث الحزينه تقابلها متعة قراءة قصة جيدة جداً لا تحرمينا جديدك ياعيون العرب انا في الأنتظار دائماً |
17-04-2007, 16:49 | #3 |
شـاعر
|
رد : رائحة الليمون !
عيون عربيه لي عوده و قراءات متعدده كوني بخير |
22-04-2007, 12:34 | #4 |
كــاتـب
|
رد : رائحة الليمون !
. . فكرة جميلة.. وسرد مشوق.. ووصف حي. . . |
23-04-2007, 17:00 | #5 |
فـعـل مــاضي!
|
رد : رائحة الليمون !
. القديرة/ عيون عربية السرد يتنامى باحترافية مقننة لوصف فرحة استيقظت ذات صباح, وقادت الأحلام عبر المودة الروحية والضوء القادح في الذاكرة بفعل الشريط الثرثار, ثمّ أصبحت معلّقة على قارعة طريق وخبر جريدة. سعاد روائية تطمح أن تكون, شخصية حازم هيأت جوّا جميلاً لذكريات نديم, الطفلتان ورويدة وباريس, مشاهد تعزز التأثير, عند قراءة الحادث ومشاهدة الخبر. القدر.. الحبكة الجميلة للقصّة المؤلمة. . . . بحقّ كانت الصور حيّة.! . اخر تعديل كان بواسطة » فوزي المطرفي في يوم » 23-04-2007 عند الساعة » 17:42. |
24-04-2007, 01:49 | #6 | |
عيون العرب
|
رد : رائحة الليمون !
إقتباس:
تلتقي الأرواح بغير موعد وقد لاتعرف الأسباب أيضاً .. لكنّ الحبّ يبقى هالة جميلة رغم الألم ،، شكراً عنود لقرائتك لي وكرمى عينيكِ لن أطيل الإنتظار محبتي لك |
|
24-04-2007, 01:51 | #7 |
عيون العرب
|
رد : رائحة الليمون !
بعدد تلك النظرات لك إمتنان الليمون يصاحبه الشكر الجزيل حتى تعود لك الورد . |
24-04-2007, 01:56 | #8 |
عيون العرب
|
رد : رائحة الليمون !
شهادة مقتصة من كاتب مثلك وكيف بي أن أنطق حرفا .. حقاً شكرا ! , |
عدد المتواجدون في هذا الموضوع » 1 , عدد الأعضاء » 0 , عدد الزوار » 1 | |
|
|
|